ايليا روبانيس
لن تكون السياسة الأمنية العراقية داعمة لاستراتيجية “محور المقاومة” التي تتبعها إيران في الشرق الأوسط بعد الآن.
كان هذا هو جوهر اتصالات رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في طهران خلال زيارته التي استغرقت يومين، من 8 إلى 10 كانون الثاني/ يناير 2025.
وفقاً لمصدرين عراقي وإيراني، أوضح السوداني بأن بغداد لن تكون قاعدة العمليات الأخيرة للحرب الإيرانية بالوكالة في المنطقة. وقد أبلغ رئيس الوزراء الحكومة الإيرانية والسلك الدبلوماسي والمؤسسة الأمنية الإيرانية بنية استيعاب الميليشيات الشيعية أو إخراجها من الخدمة. والهدف من ذلك هو عزل طهران عن السيطرة العملياتية واللوجستية المباشرة على ست مجموعات على الأقلّ، بما في ذلك “كتائب سيد الشهداء” و”كتائب حزب الله” وغيرها. وينبغي أن تكون النتيجة النهائية هي أنه لن يكون هناك أيّ جماعات تابعة لـ “محور المقاومة” في العراق.
وهذه العملية لن تكون ذات نهاية مفتوحة بل يجب أن تكتمل في غضون أشهر لا سنوات.
ولدى المصادر العراقية التي تمت استشارتها معرفة مباشرة بهذه الاتصالات. الأول عضو في القيادة السياسية الشيعية في النجف، والثاني دبلوماسي عراقي رفيع المستوى مقيم في طهران. أما المصدر الإيراني فهو موظف في وزارة الخارجية يتواصل مع جميع الوفود الأجنبية التي تزور طهران.
نهاية عهد
جاءت هذه الزيارة في ظل خريطة إقليمية سريعة التغير، حيث تعرضت حركة حماس و”حزب الله” لهجمات استراتيجية تحدّ من قدرتهما العملياتية. وفي الوقت نفسه، فقدت طهران موطئ قدمها الاستراتيجي في دمشق.
تأسست “كتائب سيد الشهداء” في عام 2013، ومنذ ذلك الحين تخضع لسيطرة الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، وترتبط بشبكة “حزب الله” السياسية واللوجستية. وينطبق الأمر نفسه على معظم الجماعات شبه العسكرية الشيعية المنضوية في حركة “محور المقاومة”.
ويدور جوهر المسألة حول خمس مجموعات أو ست أخرى، تُعرف باسم “الحشد الولائي” أو الميليشيات القائمة على الولاء. وقد قاتلت هذه الجماعات ضد تنظيم “داعش” في العراق وسوريا، لكنها مصنّفة على لائحة الإرهاب الأميركية إلى جانب كلّ جماعة تعمل تحت مظلة “كتائب سيد الشهداء”.
وتتداول تقارير إخبارية عراقية أن قادة ميليشيات شيعية طلبوا بالفعل اللجوء إلى روسيا وبيلاروسيا وحصلوا عليه.
أهمية الاتصالات
يقول علي موسوي خلخالي، رئيس تحرير مجلة “الدبلوماسية الإيرانية” في طهران، إن المصادر التي تمّت استشارتها موثوقة، ولديها معرفة وثيقة باتصالات بغداد. ويوضح بأن العراق حريص على تجنّب أن يصبح ساحة المعركة التالية في المعركة بين واشنطن وتل أبيب ووكلاء إيران في المنطقة.
ويؤكد الخلخالي أن بغداد حريصة على إبقاء البلاد على مسار التنمية مع رفض الانجرار إلى صراع إقليمي متزايد. وقبيل نهاية ولاية الرئيس الاميركي السابق جو بايدن، زار الوزير السابق أنتوني بلينكن بغداد لتوجيه إنذار واضح: لن توقف واشنطن الانتقام الإسرائيلي إلا إذا تنصّل العراق من الميليشيات التي يسيطر عليها الشيعة.
ويؤكد الخلخالي أن اتصالات رئيس الوزراء العراقي لها ثقلها. فالقوات شبه العسكرية العاملة في العراق، والمعروفة باسم “الحشد الشعبي”، معترف بها رسمياً كجزء من الجهاز العسكري، وتخضع لسيطرة مكتبه مباشرة، حيث إن رئيس الوزراء هو القائد العام للقوات المسلّحة.
الأهمية الدبلوماسية الأوسع نطاقاً
وفقاً لإحسان دستغيب، الملحق الاقتصادي الإيراني السابق، فإن الفصل بين العراق وإيران أمر مهم من الناحية الاقتصادية. وكانت زيارة قائد القيادة المركزية الأميركية إلى بغداد تهدف إلى إيصال رسالة مفادها أن واشنطن لن تتسامح مع تسهيل بغداد وصول طهران إلى الأسواق العالمية.
وقد ربط عضو الكونغرس الجمهوري جو ويلسون – الذي كان يعمل سابقاً في وزارة الخزانة الأميركية – مقرضين عراقيين محدّدين بغسل الأموال نيابة عن الحكومة الإيرانية بما يصل إلى نصف مليار دولار شهرياً. ومن المرجّح أن ينطبق الضغط على الميليشيات على البنية التحتية الأوسع التي تدعم وجودها في إيران.
وتتجه الأنظار الآن إلى رد الفعل المحتمل في العراق. فوفقاً للمصدر الدبلوماسي الإيراني المذكور أعلاه، سيقاوم المتشدّدون في طهران والفصائل الشيعية في العراق القضاء بالجملة على القوات شبه العسكرية على المدى الطويل.
إن استيعاب الميليشيات في الجيش ليس اقتراحاً بسيطاً أبداً، إذا كان ذلك يعني حلّ الوحدات وهيكل القيادة. إن دخول قادة مصنّفين كإرهابيين في سلك الضباط ليس أمراً غير مسبوق، لكنه قد يلاقي اعتراضات أميركية كبيرة.
وكان رئيس الوزراء السوداني زار لندن في 14 كانون الثاني/ يناير، ووقّع صفقات عالية القيمة، آملاً جزئياً في أن تضمن له عقود منفصلة في مجالي الطاقة والدفاع بقيمة 15 مليار دولار الكثير من حسن النية الدبلوماسية.