لا أحد يستطيع أن ينكر خروج العشرات للتظاهر في عدة مدن إيرانية للمطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية داخل البلاد، وهذا الأمر لم تخفيه وسائل الإعلام الإيرانية على عكس العديد من الدول التي تعمدت إخفاء مايجري داخل بلادها، وفي مقابل ذلك لا أحد يستطيع أن ينكر بأن الآلاف خرجوا يوم أمس 30/12/2017 للتنديد بأمريكا، والكيان الصهيوني، والتاكيد على اللُّحمة الوطنية في مواجهة التدخل الأجنبي في شؤون البلاد.
وبما أن وسائل الإعلام الغربية تركز فقط على ما يخدم مصالحها لذلك وجدنا أنها كانت متلهفة للحصول على أي فيديو من داخل ايران ونشره بسرعة البرق، فيما لم نجد هذا الاندفاع تجاه المظاهرات التي عمت أرجاء البحرين ومازالت مستمرة وكذلك الأمر في السعودية، ومع ذلك فقد فاجأ المستوى الرسمي في ايران الجميع من خلال تصريحاته بأن التظاهر حق للمواطنين ولكنهم حذروا في الوقت نفسه من اندفاع هذه التظاهرات لمسار تريده دول معادية.
وكان كلام مستشارة الرئيس الإيراني الإصلاحية، معصومة ابتكار، ملفت في هذا الإطار، حيث نشرت على حسابها على تويتر تغريدة كتبت فيها: ” الاعتراض على المشكلات لإجراء إصلاحات حق للمواطنين، لكن على المعترضين أن يعرفوا من أية جهة يتم إرشادهم ومن هو قائدهم”، وجاء كلام ابتكار بعد تحريض سعودي وأمريكي على وسائل التواصل الاجتماعي وبكثافة كبيرة لدعم التظاهرات ضد النظام في ايران، وهنا يأتي السؤال التالي، التظاهرات عمل حضاري في حال لم يتم فيه تخريب البنى التحتية للبلد وفي حال لم يتم استغلاله ودعمه من قبل أطراف لاتريد الخير للشعب المتظاهر ولكن لماذا كل هذا الهرج والمرج السعودي_الأمريكي_ الإماراتي والتحريض والتهديد وإظهار أنفسهم بأنهم أبطال الدفاع عن الديمقراطية والحريات وهم أبعد ما يكون عن ذلك والأمثلة كثيرة عن هذا؟!.
كيف وصل الشعب الإيراني إلى هذه المرحلة؟!
أولاً: لا أحد ينكر بأن ايران تعاني من أزمة اقتصادية وخروج المتظاهرين كان نتيجة لانعكاس هذه الازمة على حياتهم اليومية وهذا أمر يحدث في أغلب دول العالم، ولكن من أوصل هذا الشعب إلى هذه المرحلة ومن فرض عليه عقوبات اقتصادية الواحدة تلو الأخرى منذ نهاية التسعينات، والعقوبات الدولية والغربية منذ عام 2006 والتي جرى تغليظها في 2012، أليست أمريكا وحلفاءها في الغرب؟!.
قسم كبير من الشعب في إيران كان يعول على نتائج الاتفاق النووي الايراني وانعكاساته على الواقع الاقتصادي للبلاد، والذي كان من المفترض أن يساهم في تحسين المعيشة لهذا الشعب ولكن ماذا حدث بهذا الاتفاق؟!.
التزمت ايران بجميع بنود الاتفاق النووي، ولكن مع وصول الرئيس الأمريكي الحالي إلى الحكم بدأ هذا الاتفاق يأخذ منحى ثاني وهذا ما أكد كلام المرشد الأعلى للثورة الإيرانية السيد علي خامنئي الذي لم يثق بالأمريكي وقال بأن رفع الحظر الأمريكي “حبر على ورق لاقيمة له” وبالفعل هذا ما حدث مع وصول ترامب للسلطة، حيث اعتبر ترامب هذا الاتفاق “هو الأسوء على الاطلاق، لم نجن منه شيء”، وسبق وصول ترامب مماطلة أمريكية في تحرير الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج، وعرقلة التعاملات المصرفية الإيرانية، والتي شكّلت عائقا أمام الاستثمارات الأجنبية.
ومع وصول ترامب إلى السلطة بدأ بمهاجمة إيران مظهرا الوجه الحقيقي لواشنطن ونياتها تجاه المنطقة، حيث بدأ ترامب بمحاربة الاتفاق النووي والتهديد بإلغائه، فضلا عن اقراره عقوبات على 12 مؤسسة إيرانية، وهو ما أنعش الأسواق السوداء في إيران مجددا وهدد بعودة شبح العقوبات من جديد، الأمر الثاني دأبت حكومة روحاني للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وتمكنت من إنجاز خطوات في هذا المجال، ولكن واشنطن بدأت بوضع العراقيل للحكومة الايرانية وحالت دون وصولها لإنجاز عضوية منظمة التجارة العالمية.
ثانياً: إعداد خطط في الغرف السرية لنقل المعركة إلى داخل إيران وهذا الكلام لم يخفيه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي تحدث وبكل وضوح منذ عدة أشهر عن نقل الحرب إلى داخل إيران، في مقابل هذا الجهد السعودي لبث الفتنة داخل ايران، كانت هناك تحالفات أخرى تنسجم مع تطلعات بن سلمان في خططه تجاه ايران، تمثلت بالتحالف الأمريكي- الاسرائيلي واعتماد استراتيجية مشتركة لمكافحة إيران.
هذا الاتفاق الأمريكي – الاسرائيلي كشفته القناة العاشرة الاسرائيلية التي قالت في إحدى تقاريرها ” تشكيل مجموعات عمل أمريكية وصهيونية متعددة ضد إيران”، وكانت القناة العاشرة الإسرائيلية قد أفادت في وقت سابق أن وفدا دفاعيا إسرائيليا زار الولايات المتحدة بداية كانون الأول/ ديسمبر الجاري، وأنه في نتيجة المحادثات التي استغرقت يومين، تم التوقيع على مذكرة التفاهم حول المسألة الإيرانية، التي تنص على تشكيل 4 مجموعات عمل، أولى مجموعات العمل ستعمل على ” المجال السري والدبلوماسي لإلغاء البرنامج النووي الإيراني”، وستهدف المجموعة الثانية إلى “الحد من وجود إيران في المنطقة خصوصا في سوريا ولبنان”. وتشمل مهام المجموعة الثالثة “احتواء برنامج الصواريخ البالستية الإيراني” و”الحد من محاولات إيصال الصواريخ الإيرانية إلى حزب الله”. وأخيرا، ستتناول المجموعة الرابعة مشكلة “تصعيد التوتر في المنطقة التي يمكن أن تتورط إيران فيها”.
هذا الكلام يوضح فيما لايدعو للشك بأن الاسرائيلي والأمريكي والسعودي بعد فشلهم في تنفيذ المخططات الرامية لتقسيم العراق وسوريا عبر ورقة الإرهاب يلهثون جاهدا لجلب المعركة إلى داخل إيران لخلق انعدام الأمن في البلاد وتوفير الوسائل اللازمة لخلق عدم الاستقرار في جمهورية إيران الإسلامية، أو لجبرها على تقديم تنازلات ذات طبيعة سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، وبالتالي نجد هذه الأطراف الثلاثة تستغل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها ايران لركب موجة الاحتجاجات وتحقيق ما يمكن تحقيقه من اهداف داخل ايران ومحاولة تأزيم الأوضاع وإطلاق تغريدات محرضة لحث الشعب الايراني على الانتفاض في وجه حكومته وهذا ما شاهدناه في تغريدات ترامب وتصريحات الخارجية الأمريكية، فهل يقف الشعب الإيراني في وجه هذا التحريض المتعمد لتخريب بلاده من خلال وطنيته المعهودة أم يتمكن الأمريكي وحلفاءه من خرق النسيج الوطني للبلاد؟!.