يحدث لي أن أنزعج وأتوتر من صوت مضغ طعام شخص يجلس بجانبي، وإن كان فمه مغلقاً. أحياناً، أتظاهر أو أصدر أي صوت كنوع من تغطية على هذه الأصوات، إذ لا يمكنني منع شخص من أن يمضغ الطعام وهو جالس بقربي مثلاً على مائدة فطور أو غداء. لا أعرف إذا ما كان الأمر بسبب حاسة السمع القوية لدي أو أنّه حساسية زائدة تجاه الأصوات تجعلني أسمع حتى مضغ الطعام لشخص يجلس قبالتي على طاولة الطعام. الأمر لا يقتصر فقط على مضغ الطعام، بل على أصوات أخرى مثل خرير المياه أو صوت سكب الماء أو الشاي في الكوب.
طبعاً لست وحدي أشعر بهذا الانزعاج. أتذكر حالتين لزملاء كانوا معي في الجامعة والعمل، ينزعجون من هذه الأصوات ومن أصوات أخرى أكثر. أحدهم وجّه انتقاداً إلى زميلة لنا في الصف لأنها كانت تفتح القلم وتغلقه بشكل متكرر، وأحسّت حينها الفتاة بإحراج كبير.
نتحدث عن حالة تُعرف باسم Misophonia وهو اضطراب حين لا يمكنك تحمّل بعض الأصوات البديهية التي يتجاهلها معظم الناس تقريباً، مثل أصوات الأكل والنفَس والحنجرة والأصوات المتكررة مثل نقر لوحة المفاتيح وحفيف الورق.
ما سببها؟
بحسب دراسة عنوانها “The Motor Basis for Misophonia”، يُنظر إلى “الميزوفونيا” على أنها اضطراب في معالجة المشاعر الصوتية، بحيث تتسبب الأصوات “البسيطة” للمضغ التي ينتجها الآخرون في استجابات عاطفية سلبية عالية بشكل غير طبيعي. وربما يكون السبب الأساسي هو المشاركة المفرطة من الجهاز السمعي و/أو الاستجابة المفرطة الجوهرية للجهاز الحركي الوجهي والفموي.
وبحسب مقالة علمية نشرتها جامعة “هارفرد”، ثمة جزء في الدماغ يؤدي دوراً في الغضب، وفي دمج المدخلات الخارجية (مثل الأصوات) مع المدخلات من الأعضاء مثل القلب والرئتين: القشرة الجزيرية الأمامية. فهي تتسبب في نشاط أكبر كثيراً في أجزاء أخرى من الدماغ، أثناء إنتاج الأصوات المحفزة لأولئك الذين يعانون من ميزوفونيا.
إن أجزاء الدماغ المسؤولة عن الذكريات طويلة المدى والخوف والعواطف الأخرى هي المسؤولة عن تجربة الميزوفونيا، وهذا منطقي، لأن المصابين بالميزوفونيا لديهم ردات فعل عاطفية قوية للأصوات الشائعة.
كذلك، ووفق المقالة نفسها، لدى المصابين بالميزوفونيا كميات أعلى من مادة الميالين الدهنية التي تلتف حول الخلايا العصبية في الدماغ لتوفير العزل الكهربائي. لكن، ليس معروفاً إذا كان الميالين الزائد سبباً أو نتيجة للميزوفونيا وتحفيزها لمناطق أخرى من الدماغ.
بماذا يشعر المصابون بالميزوفونيا؟
أشعر كان شيئاً يعزف على أوتار أعصابي: أتوتر، أغضب، أود لو أوقف الأصوات على الفور، كما يقول زميلي شادي، مضيفاً: “لكن، لا أستطيع تحمّل الأصوات التي يجدها الناس عادية، فأنا حساس جداً تجاه الأصوات المتكررة والأصوات الخاصة بالأشخاص”. يتهمه محيطه بأنه ليس دمثاً حين يقول لأحدهم أن يتوقف عن غصدار الأصوات المزعجة. ويتابع: “الأمر ليس بيدي، فعندما أكون في مكان ما، أترك كل شيء وأصغي فقط إلى مصدر الصوت المزعج، وأعرف أن الأمر قد يكون صعباَ للآخرين، لكنّني أعود فأعتذر لهم ليتفهموا وضعي”.
يتراوح الاضطراب من خفيف إلى شديد، وتدفع هذه الأصوات مَن يعانون من الميزوفونيا إلى القلق، وعدم الارتياح، والاشمئزاز، والغضب، والحاجة إلى الفرار، والكراهية. لذلك يُطلق على هذا الاضطراب أحياناً “متلازمة حساسية الصوت الانتقائية”.
وبحسب مقالة “هارفرد”، يُظهر المصابون بالميزوفونيا علامات فسيولوجية أكبر كثيراً للتوتر، مثل زيادة التعرق ومعدل ضربات القلب، تجاه الأصوات المحفزة للأكل والتنفس مقارنة بالأشخاص الآخرين.
اجتماعياً، قد يكون الأمر محرجاً. فمَن حولك يكمل حياته وتصرفاته بشكل طبيعي من دون أن يعرف أنك منزعج. وأنت، من جانبك، تراعي شعوره وتكتم انزعاجك، ما يدفعك إلى التصرف بشكل غير لائق اجتماعياً، كالمغادرة من دون سبب واضح ومبرَّر.
وإذا كشفتَ عن انزعاجك لسبب يتعلق به وهو يتنفس ويأكل بشكل طبيعي ويصدر صوتاً لا إرادياً، يتسبب الأمر بمشكلة بينكما. لذا، يتسبب هذا الاضطراب في تشنج في حياتك الاجتماعية، إذ إنّ المصابين بالميزوفونيا يقلقون بشكل مسبَق عند وجودهم في مكان يعتقدون أنّهم سيسمعون فيه أصواتاً مزعجة، وقد يتجنبون ارتياد المطاعم أو يفضّلون تناول الطعام بشكل منفصل عن شركائهم وعائلتك أو زملائهم.
وغالباً ما يترافق هذا الشعور السمعي مع تفاعل هؤلاء الأشخاص مع المحفزات البصرية التي تُصاحب الأصوات، وقد تؤدي رؤية شيء يزعجهم إلى إثارة انزعاجهم.
كيف تتخلص من الميزوفونيا؟
– استشارة طبيب نفسي لإيجاد طرق لتقليل أو منع الأصوات المحفزة، وتطوير استراتيجيات وتقنيات التأقلم لتجنب ردود الفعل الاندفاعية للأصوات المحفزة، وتقليل حساسيتك للمحفزات الموجودة.
– استخدام سدادات /سماعات الأذن.
– تركيز الاستماع إلى شيء آخر غير الاستماع إلى الصوت المحفز.