قراءة سياسية في البيان السعودي – اللبناني المشترك

4

على “حزب الله” تحديداً، والفصائل المسلحة الأخرى الأصغر، اللبنانية والفلسطينية، تسليم سلاحها إلى الدولة، وأن يكون قرار الحرب والسلم بيد الحكومة وحدها، من دون تدخلات خارجية.
 تكتسب

زيارة رئيس الجمهورية اللبنانية جوزف عون للسعودية ولقاؤه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أهمية خاصة، كونها الأولى خارجياً لعون، وبعد توقف الحرب الإسرائيلية على لبنان، وما أفرزته من متغيرات جذرية سياسياً وأمنياً، وأدت إلى تدمير واسع في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت.
هذه المعطيات لا يمكن إغفالها، ويجب النظر إليها بعين سياسية فاحصة، بعيداً عن الاصطفافات الحزبية، كي يتمكن لبنان من التعافي.
بالعودة إلى الزيارة والبيان الذي صدر في ختام المباحثات السعودية – اللبنانية، وردت فقرة تنص على أولوية “بسط الدولة سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية”، وهذه الجملة بمثابة حجر زاوية في الإعلان.
ما الذي يعنيه أن تفرض الدولة اللبناية سيادتها على كامل الأراضي؟ البيان قدم إجابته ولم يترك مجالاً للتفسيرات الملتبسة! فقد أكد على “حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، والتأكيد على الدور الوطني للجيش اللبناني، وأهمية دعمه، وضرورة انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من كافة الأراضي اللبنانية”.
ما سبق يعني أنه على “حزب الله” تحديداً، والفصائل المسلحة الأخرى الأصغر، اللبنانية والفلسطينية، تسليم سلاحها إلى الدولة، وأن يكون قرار الحرب والسلم بيد الحكومة وحدها، من دون تدخلات خارجية.
هل السعودية تريد أن يتم نزع سلاح “حزب الله” بالقوة حتى لو أدى ذلك إلى حرب أهلية؟ الجواب بالتأكيد: لا! لأن الرياض لا تريد للبنان أن يغرق في الصراعات الدموية الداخلية، وإنما تسعى لأن تكون هنالك حكومة قوية حازمة، تستطيع أن تقنع “حزب الله” وتفرض عليه من دون صدام مسلح، أن يكون هنالك حصرٌ للسلاح بيد الأجهزة الحكومية فقط.
من يراقب سلوك “حزب الله” بعد توقف الحرب الإسرائيلية المدمرة على لبنان، يجد أن هناك اتجاهاً لخفض التصعيد، والتعامل بإيجابية قدر الإمكان مع الدولة اللبنانية.
“حزب الله” منح الثقة في مجلس النواب لحكومة الرئيس نواف سلام، وأيضاً لم يمارس العمل المسلح ضد الخروق الإسرائيلية، وأعلن أمينه العام نعيم قاسم أن حزبه ملتزم العمل تحت سقف اتفاق الطائف، وأن مهمة تحرير الأرض المحتلة هي بيد الدولة وأنه يمنح فرصة للعمل الديبلوماسي.
بالعودة إلى البيان السعودي – اللبناني المشترك، نجد أنه قرن “سيادة الدولة” بـ”انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من كافة الأراضي اللبنانية”، إيماناً من الرياض بأن السيادة لا يمكن تجزئتها، وأن الاستقرار لا يمكن أن يتحقق مع استمرار الاحتلال، ولذا يجب على تل أبيب أن تخرج قواتها المحتلة من الأراضي اللبنانية.
في الوقت ذاته، فإن استمرار الانتهاكات الإسرائيلية لسيادة لبنان، سيعطي ذرائع لـ”حزب الله” للاحتفاظ بسلاحه، بحجة مقاومة إسرائيل، وبالتالي سيصعب ذلك من مهمات الحكومة اللبنانية ويؤخر عملية تمكين انتشار الجيش في مختلف الأراضي اللبنانية.
“سيادة الدولة” ترتبط أيضا بالفعالية الاقتصادية، خصوصاً أن لبنان يعاني من أزمة مزمنة منذ سنوات، وهو الأمر الذي تطرق له البيان، إذ أشار إلى أن الجانبين اتفقا “على ضرورة تعافي الاقتصاد اللبناني وتجاوزه أزمته الحالية، والبدء في الإصلاحات المطلوبة دولياً وفق مبادئ الشفافية وتطبيق القوانين الملزمة”.
هذه الفقرة بالغة الأهمية، لأنها وإن لم تتحدث صراحة عن موضوع الدعم الاقتصادي والودائع المالية والاستثمارات السعودية وإعادة الإعمار، إلا أن كل هذه الملفات الملحة تأتي في صلب هذه الفقرة من البيان. لكن الدعم المالي وإعادة الإعمار لا يمكن أن يتما بطريقة غير منظمة، وإنما على أسس متينة ومستدامة، تضمن أن لا تتسرب الأموال إلى جهات غير مستحقة أو يتم صرفها بطريقة عشوائية أو تكون هنالك شبه فساد مالي! وعليه، فإن مسألة الإصلاح هي استحقاق ملحٌّ لا يمكن تجاوزه.
أيضاً، عملية إعادة الإعمار يجب أن تكون وفق رؤية اقتصادية – أمنية – سياسية، تضمن أن لا يتم تهديم ما يجري إعماره في حروب مقبلة.
لبنان بحاجة لـ”شبكة أمان عربية”، ولذا نص البيان المشترك على أن “لبنان عضو أصيل في المنظومة العربية، وأن علاقاته العربية هي الضمانة لأمنه واستقراره”، وهذه الضمانة لكي تكون فعالة، لا بد من أن تكون بيروت على تنسيق تام مع العواصم العربية الفاعلة والمؤثرة، بما يحقق خفض التصعيد في الشرق الأوسط.

التعليقات معطلة.