بقلم | علي المؤيد
ان التنظير و التنفيذ يمثلان جناحي النهوض للقيام بأي فعل من شأنه أن يكون ناجحا أو غير ناجح بحسب طبيعة المقدمات و طرق الوصول الى النتائج و المخرجات .
عملية التنظير نتاج طبيعي لمجموعة عمليات التفكير و التأمل العميقين ، ولايمكن افتراض لحظة البدء دون وجود تفكير مسبق منتج للتنظير او تفكير سطحي و إنفعالي منتج للحركة دون دراسة وافية .
إن إختلاط مفاهيم التنظير ( إنتاج النظرية ) مع غيرها من عمليات التفكير المنتجة لخطط آنية أو ردود إنفعالية أو مسارات عابرة ، تسبب في ردود أفعال على أهمية أطر التفكير المنهجي في الأحزاب العراقية بشكل عام .
فباتت عمليات التفكير عامة و التنظير خاصة هامشية و منعزلة و غير محببة في دوائر صنع القرار التي ترى نفسها تواجه الحدث اليومي و التحديات المتسلسلة و التراكمات المتتالية .
فيلاحظ جنوح غالبية أحزابنا السياسية الى تقوية أذرعها التنفيذية على حساب أذرعها التنظيرية للتخلص من عناء التأني و التفاعل المحسوب المقيد مع المواقف و الأحداث ، إختصارا للوقت و النفقات و المماحكات الفكرية .
ان أزمة تضخم التنفيذ على حساب التنظير له رواسب و مبررات و جذور بعضها موضوعية و بعضها معرفية و اخرى نفسية .
إن صعوبة إنتاج الأفكار و تنظيم الحراك التفكيري الداخلي و توجيهه و توحيده نحو بناء النظريات الموحدة من جهة ، وقلة المفكرين و أصحاب القدرات التنظيرية و المنظمة من جهة أخرى ، تقلل من حظوة هذا الجناح لدى أصحاب القرار .
ان تخمة الأحزاب العراقية بملاكات تنفيذية فاعلة على حساب القلة الفكورة ، يفسح المجال لنمو الأول على الفئة الثانية .
ان من حسنات وجود الملاك التنفيذي قدرته على التحرك الميداني و تحقيق قفزات نوعية على صعيد التدرج الحزبي دون مرور بمعايير مستصعبة و مشددة بخلاف مصاعب الجناح الفكور الذي يميل الى التباطيء التنفيذي و التأني الحركي و دراسة زوايا المشاريع قبل التوغل و الإقحام .
بالتأكيد إنبساط التنفيذ على حساب التنظير يعطي نتائج قصيرة الأمد و تطور تكتيكي محسوس على صعيد العمل ، لكن خطورته تكمن في حركة الجسد الحزبي دون دراسة وافية للتبعات على المدى البعيد .
غالبية الاحزاب العراقية اليوم تعتبر احزاب يومية تتعامل وفقا للحدث لا خلقه و وفقا للفعل لا صناعته و ضمن التقليد لا التجديد و في اطار الإجتراء و ليس الإنتاج .
ان عدم وجود نظريات محكمة و مشاريع مدروسة و خطط محدثة و برامج متقنة لدى الاحزاب العراقية ، و حركتها الدؤوبة في مجال التنفيذ و الحالة الشعبوية تجعلها دوما تعاني من كثرة التجارب و قلة الخبرات ، لأنها تجارب غير مبنية على نظريات ثابتة بل قائمة على رمال متحركة من شتات افكار الاجنحة التنفيذية .
ان اصعب ما تواجهها الاحزاب العراقية هو كيفية اكتشاف و احتواء البيئة الفكورة في داخلها و ايجاد توازن دقيق بينها و بين الجناح التنفيذي دون حدوث ارجحية او احتكاك داخلي سلبي .
ان الاحزاب العالمية تهتم كثيرا بتاريخ و واقع اجنحتها الفكورة و انتاجها لنظريات صائبة او فاعلة تثبت جدارتها في ادارة المؤسسات و الدولة تنفيذيا ، لذا تصبح احزاب ذات امتدادات تاريخية طويلة و تجارب مؤسسية عميقة و ادارة فاعلة و متجددة بكافة اجيالها و امزجتها الداخلية .
يعتقد ان على الاحزاب العراقية البدء باحداث قفزات متمأسسة لايجاد توازن داخلي بين اجنحتها وصولا الى انتاج الافكار و المشاريع و ادخالها مراحل الاختبار التنفيذي الحقيقي ، خروجا من التخبط و الفوضى و المزاجية و الحراك المصلحي العقيم و المميت للعمل السياسي الحقيقي