واثق الجابري
لم يقتصر فعل الإرهاب على إثارة الفوضى والقتل وإستباحة المفاهيم الإنسانية، بأفعال منفردة وجماعية لتحقيق مكاسب سياسية ودينة وإقتصادية، او لتشويه الإسلام؛ بل هو عمل منظم يذهب الى أبعد من آثاره الظاهرية، ويهدف الى تدمير منظومة قيمية ودينية.
خطوات متسلسلة إتبعها الإرهاب لنقش جرائمه على جدار التاريخ، بالمقابل تفانت مجاميع إنسانية لتثبيت النظم القيمة الاجتماعية.
إرهابي يقتل أطفاله وزوجته لإختلاف مذهبهما، وآخر يشترط على زوجته تحويل مذهبها، وثالث يقطع بين العوائل والأنساب على اساس قومي، وأصدقاء فارقتهم الأقدار وتجار اوقفوا تجارتهم، وعمال إنهزموا من أماكن عملهم، ومشاريع على أسس قومية، وتعطل الحركة بين المدن بل داخل المدينة على هذه الأسس، مع تعالي وتيرة الطائفية والعشائرية والقومية، وقبل كل زواج وخطوبة سؤال عن الدين والقومية والمذهب.
أعمال القتل والتشريد والنزوح، وإستهداف مدنيين ابرياء، وجملة اعمال لا تنم للإنسانية بشيء، جعلت من الناس في حالة تتوجس من إقامة أي علاقة إنسانية، وحذر من التعامل الإقتصادي والجغرافي والعائلي والثقافي، وداخل مجتمع الدولة من لا يثق من هاجس او افعال حقيقية ولدها الإرهاب، والقوى التي تلعب على التناقضات، ووضعت حدوداً لا يمكن تجاوزها في مجتمع متواشج.
إن الآثار السلبية للإرهاب، ولدت فجوات كبيرة بين المجتمع، وفرق بعض العوائل، ولا يبالي بوضع الحواجز بين العلاقات العاطفية لبناء مستقبل، وحتى الطلاب في الجامعات صاروا يبحثون عن علاقات على اساس مذهبي او قومي، وإلاّ أي علاقة ستواجه بالرفض من عائلتي الشابين، وأن خالفا العرف العائلي ربما يتعرضان للتشريد والقتل، وربما الشباب أقل ضرراً من الفتاة، التي لا يقبلها أهل من تحب ولا اهلها، وما تركه الارهاب لا يقل خطورة عن اسلحته المباشرة، وتوجيه الأسلحة لصدور ورؤوس الأبرياء، بل تعداه الى قيم ومفاهيم المجتمع وتشتيت المنظومة الإنسانية، وحاولوا قطع كل ما من شأنه تعزيز وحدة الدولة والمجتمع.
دفع الشباب ثمن الاختلافات القومية والمذهبية وتنافسات السياسة، التي جعلت بعضهم يسعون لا يعرفون الاّ الحديث بالخلافات العرقية.
الجار يشك بجاره والصديق بصديقه، والتاجر لا يأمن المتاجرة مع مختلف معه بالمذهب والقومية، حتى العاشق لا يثق بمعشوقته، وربما يعتقد أنها تفكر يوماً ما بقتله، وكذلك كلا العشيقين لا يعتقدان بإكمال بقية حياتهم وتكليل علاقتهم بالزواج، وبدل من أن يكون الحب سبباً بتقارب مجتمع وتعايش بين مذاهب وقوميات، أصبح خطراً آخر للتناحر، وقبل الإقدام عليه أن يسأل عواطفه وعينيه وقلبه، وعليه أن يتأكد من قومية ومذهب زميلته في العمل او الدراسة، قبل أن يُعجب بها ويختارها شريكة للحياة، وهنا مثلما عمل قوى إرهابية على تفتيت أدق تفاصيل الحياة والقيم، بمقابل من سعى لتثبيتها بدمائه، فلابد من إستثمار التضحيات، والروح الطوعية والتلاحم المجتمعي، فحين يقدم المقاتل نفسه لم يسأل عن قومية ومذهب الأطفال والنساء، وهذه القيم العالية من واجب المجتمع أن يضعها أسساً لمناهجه الفكرية والدراسية، ويعلمها لأجياله المستقبلية، حتى لا يكون للعشاق نصيب من الإرهاب.