أما الهدفان المعلنان فهما: فتح ممرات الشحن الدولية في البحر الأحمر، وتوجيه رسالة تحذير الى إيران. وبدت واشنطن حريصة على تعميم “التحذير لإيران” وتكراره لتضمن وصوله الى الجهة المعنية، ومما قاله ترامب إن “على إيران أن توقف فوراً دعمها للإرهابيين الحوثيين”، وإلا فإن أميركا “ستحاسبكم بالكامل، ولن نكون لطفاء في ذلك”.
يُستدلّ من هذه اللهجة أن إدارة ترامب تقطع الطريق على أي جدل، فهي من جهة لن تقبل “نصرة غزة” أو أي ذريعة أخرى لتبرير التعرض للسفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى إسرائيل، ومن جهة أخرى ترفض حججاً كانت طهران تدّعي فيها أنها لا تتدخّل في قرارات وكلائها وأنهم يحددون خياراتهم بمعزلٍ عنها.
مع سريان اتفاق وقف النار في غزّة، في مرحلته الأولى، علّق الحوثيون الهجمات على السفن وإطلاق الصواريخ والمسيّرات ضد اسرائيل، لكن العودة إلى سياسة تجويع الغزّيين ومنع دخول المساعدات إلى القطاع وتعثّر التفاوض على المرحلة الثانية دفعت الحوثيين إلى تحديد مهلة زمنية (انتهت في 9 آذار/ مارس) يستأنفون بعدها عملياتهم التي تسببت سابقاً بخسائر ومخاوف للإسرائيليين. ولا شك في أن هذا التهديد شكّل دافعاً لترامب كي يأمر بشنّ “عمل عسكري قويّ وحاسم”، خصوصاً أن مبعوثه ستيف ويتكوف قدم مقترحاً جديداً ويحاول حالياً التوصّل إلى اتفاق لتمديد الهدنة وتبادل الأسرى بوتيرة أكثر سرعة من سابقاتها.
في المقابل، يرى ترامب فرصةً لأن يسجّل باسمه وقف الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر.
ففي نهاية أسبوع استفزّ خلاله إيران بتخييرها بين “اتفاق جديد” أو “مهاجمتها عسكرياً”، لم يتردّد في الموافقة على عمل عسكري هو الأول في ولايته الجديدة، وعلى تصعيد أول قد تنجم عنه توترات إقليمية، وإذا لم ينجح فإن الملاحة في البحر الأحمر قد تشهد اضطرابات أكثر خطورة. ومع أن ترامب تعهّد “استخدام القوّة المميتة الساحقة” حتى تحقيق الأهداف، وقال للحوثيين “وقتكم انتهى” و”يجب أن تتوقف هجماتكم فوراً، وإلّا ستواجهون الجحيم، كما لم تروا من قبل”، فإن الخبراء العسكريين يقدّرون أن الهجمات الجوية يمكن أن تُضعف القدرات العسكرية للحوثيين، لكنها لن تتوصّل إلى ردعهم ما لم يكن هناك تحرّك عسكري برّي مساند.
عدا تدمير رادارات ودفاعات جويّة وأنظمة صواريخ ومسيّرات، ذُكر أن الغارات استهدفت، للمرة الأولى، منازل عدد من قادة الحوثيين. وفيما توعّد المكتب السياسي للجماعة بأن “العدوان لن يمرّ من دون ردّ”، حاول الناطق الرسمي باسم الجماعة المحاججة بأن “الحظر البحري المعلن إسناداً لغزة يقتصر فقط على الملاحة الإسرائيلية حتى يتم إدخال المساعدات الإنسانية لأهالي غزة” وأن الغارات الأميركية “هي التهديد الفعلي” للملاحة الدولية في المنطقة. أما قائد الحرس الثوري الإيراني فأعاد تأكيد أن الحوثيين “يتخذون قراراتهم الاستراتيجية بأنفسهم”، وطالب وزير الخارجية الإيراني بـ”وقف حرب الإبادة الجماعية والإرهاب الإسرائيلي” في غزّة… لكنّ منطقاً كهذا لا يلقى أذناً صاغية في البيت الأبيض.
كانت طائرات مقاتلة أميركية – بريطانية، وأحياناً إسرائيلية، شنّت عشرات الغارات على مواقع الحوثيين طوال العام الماضي، ومع أنها أنزلت فيها خسائر كبيرة إلا أنها لم تتمكّن من تحقيق أهدافها. وقد وصف ترامب أداء إدارة جو بايدن بأنه كان “ضعيفاً بشكل مثير للشفقة”. الواقع أن أداءها إزاء إيران كان حذراً، إذ غلّب بايدن الديبلوماسية للإبقاء على التواصل معها ولإقناعها بضبط ميليشياتها في لبنان وسوريا والعراق واليمن و”عدم توسيع الحرب”، لكنها طالبت أولاً برفع العقوبات المفروضة عليها وكذلك بالضغط على إسرائيل لوقف الحرب على غزّة.
لم يسفر التواصل غير المباشر عن أي نتيجة، لكن الحرب الإسرائيلية أدّت إلى هزيمة عسكرية لفصائل غزّة و”حزب الله” اللبناني، وما لبث سقوط النظام الأسدي أن أخرج إيران وميليشياتها من سوريا. في الأثناء كانت إيران نفسها تعرّضت لضربات إسرائيلية نوعية دمّرت بعضاً من دفاعاتها الجويّة، وتسعى إسرائيل إلى شنّ هجمات أكبر بتزكية وتنسيق مع واشنطن. من الواضح أن الأذرع الإقليمية لإيران قد أضعفت إلى حد ملموس، ولم يبقَ منها سوى اثنتين: ميليشيات العراق التي تحاول إنقاذ نفسها بالانتظام في كنف الدولة، وميليشيا الحوثي، فهل جاء دورها؟