إلى الإعلاميين العرب: قولوا شيئا عن اليمن!

1

عباس السيد
قبل أشهر ، وجه الإعلامي في قناة ” i24″ ديفيد شوستر تحديا لزملائه في القنوات الإخبارية الأميركية الشهيرة بأن ” يقولوا شيئا عن اليمن ” .
ديفيد الذي ينحدر من أصول يهودية ويعمل في قناة مملوكة ليهودي ، قطع برنامجه الإخباري ، ووجه التحدي لزملائه الذين حددهم بالإسم.
لا يمكن تفسير تعاطف الإعلامي الأميركي ديفيد شوستر مع اليمنيين إلا أنه بدافع إحساسه بمظلومية اليمنيين ومعاناتهم بفعل الحرب والحصار ، وبدافع من مسؤوليته كصحفي وإنسان .
“مظلومية اليمنيين تتجاوز مظلومية الشعب الفلسطيني ” هكذا قارن السيد حسن نصرالله بين المظلوميتين في واحد من خطاباته. ولأنها كذلك ، يعتبر السيد نصرالله أن ” أعظم وأفضل وأشرف شيئ عمله في حياته ، هو الخطاب الذي ألقاه ثاني يوم العدوان على اليمن ” .
تجاهل السيد نصرالله عقود من نضاله السياسي والجهادي داخل وخارج لبنان ، بما فيها من إنجازات وتضحيات ، وبدا له خطابه المندد بالعدوان السعودي الأميركي وتضامنه مع الشعب اليمني ، هو العمل الأعظم والأفضل والأشرف في حياته.
السيد نصرالله لم يبالغ أبدا ، سواء في توصيفه للمظلومية اليمنية ، أو في عظمة موقفه منها. وهو بذلك يعبر عن نفسه كإنسان ، بعيد عن السياسة وحساباتها.
ومن خلال هذا المنبر الإعلامي الحر ، الذي سخره لنا الإعلامي العربي الحر عبد الباري عطوان ، أطال الله عمره. اسأل إخواننا الإعلاميين العرب :
– هل سمعتم عن شعب هو ضمن الأفقر في العالم ، يشن عليه حربا وحصارا من تحالف دول هي الأغنى والأقوى في العالم لثلاث سنوات متواصلة ؟.
– هل سمعتم عن غارات جوية بأحدث الطائرات تستهدف حفلات أعراس ومراسم عزاء وأسواق شعبية، ومخيمات للنازحين وغيرها من الأهداف المدنية باستمرار ؟.
– هل سمعتم عن شعب يعيش بدون كهرباء ولا خدمات مياه ولا مرتبات لسنوات . ؟.
– أكثر من 13ألف شهيد بينهم 5 آلاف طفل وامرأة . والجرحى يتجاوزون 22 ألفا. ـ أكثر من 400 ألف منزل دمرها القصف . والنازحون داخليا قرابة 3 ملايين . ليس هناك مجال للنزوح الخارجي ، فالبلد تحول بفعل الحصار البري والبحري والجوي إلى سجن كبير مساحته نصف مليون كيلومترمربع . الخدمات الصحية شبه منهارة ، وحالات الإصابة بالكولوليرا وصلت المليون.
لا حدود لمأساة اليمنيين والوضع الكارثي الذي يعيشونه ـ بحسب تقارير أممية ـ هو الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية.
الحرب على اليمن تشهد أكبر عملية تضليل وتزوير وتعتيم في التأريخ . ما يدور في اليمن ليست حربا ، إنها كارثة من صنع البشر، يتم فيها إبادة شعب .. نعم هذه ليست حربا ، والدول المتحالفة في الحرب على اليمن ليست دولا.
اليمن يواجه عصابات دولية ، عصابات بإمكانات دول ، عصابات حاكمة تقمع شعوبها ، وتغتصب السلطة في بلدانها ، ولا تخشى لوم أو محاسبة مؤسسات شعبية أو رسمية ، ولا نقد أحزاب منافسة .
ديفيد آخر
في مقال له بموقع ميدل ايست آي ، وصف ” ديفيد هيرست ” بعضا من الحكام الذين يتصدرون قيادة تحالف الحرب على اليمن بأنهم : ” جيلٍ جديد من الأشقياء الخليجيين الشباب ، الذين لا يُظهِرون التوقير والاحترام ، ويمارسون التفحيط، ويلتقطون صور السيلفي أمامك ، ثُمَّ تجدهم يظهرون في انقلابٍ ما قريباً منك”. وقال في وصفهم أيضا : ” طموحهم الجيوسياسي يتجاوز مقدراتهم ، يعتقدون حقاً أنَّ لديهم القدرة لفرض إرادتهم ليس على شظايا الدولة الفلسطينية فقط ، بل وعلى المنطقة ككل .. ينظرون إلى الليكود باعتباره شريكهم الطبيعي، وإلى جاريد كوشنر ـ صهر ترامب ـ باعتباره محاوِرهم الحصيف. ولا تحتوي قواميسهم مفردات التفكير، أو التدبُّر، أو التعاون، أو الاستشارة، أو التوافق .. ” .
التحالف الدولي بقيادة السعودية ، أعلن شن الحرب على اليمن قبل نحو ثلاث سنوات بذريعة ” إستعادة الشرعية في اليمن ” فهل يستحق هذا الهدف ، كل هذا القتل والتدمير ؟.
لقد كان من حسن حظ اللبنانيين أنهم نجوا من مخطط مشابه ، وتمكنوا من استعادة رئيس حكومتهم الذي كان مختطفا في الرياض ، بينما فشل اليمنيون في أستعادة رئيسهم وحكومتهم المختطفة منذ ثلاث سنوات ، وقد تحول المخطوفون إلى مجرد أدوات مسيرة لا تملك قرارها . فمثلما كانت إستقالة الحريري بضغط سعودي ، كانت إستقالة هادي وحكومته في يناير 2015 ، ثم عودتهم عن الإستقالة ، بضغوط سعودية أيضا .
ما يجري في اليمن ليست حربا من أجل إستعادة ” الشرعية ” وليست حربا بين سنة وشيعة ، وليست حربا ضد ” الإنقلابيين الحوثيين ” هذا جزء آخر من التضليل ، لا ينبغي لإعلامي عربي متابع أن يقع في فخه ، ويكتفي بمتابعة المعارك اليومية ورصد نتائجها من تقدم وإنكسار وقتل وأسر .. فهذه الأخبار لا تقدم صورة حقيقية للحرب في وعلى اليمن . تلك مجرد أصداء للمعركة الحقيقية التي تدور في اليمن ، وهي معركة قذرة تستهدف التأريخ والجغرافيا اليمنية . وسيكون اليمن محظوظا إن أكتفى تحالف الحرب الذي تقوده السعودية بتحويله إلى صومال آخر .
لم يترك التحالف لليمنيين من خيار سوى الصمود ، مهما كانت نتائجه ، فالموت صمودا في جبهات القتال ، أقل ألما من الموت بسكاكين ” داعش ” التي تقاتل تحت لواء الشرعية المدعومة من الخارج . وهو أيضا ـ الصمود ـ أقل تكلفة في الحسابات السياسية على اليمن ومستقبلها . كما أن الواقع الذي تعيشه المحافظات
تضليل آخر
ما يعرف بالمحافظات والمناطق اليمنية المحررة ” التي تسيطر عليها قوات التحالف والفصائل المحلية الموالية لها والتابعة للشرعية المقيمة في الرياض ، وتشكل نحو 70 في المائة من مساحة الجمهورية اليمنية ” تعيش واقعا مرعبا من نوع آخر. صحيح أنها لم تتأثر كثيرا بالحرب والحصار كالمحافظات الشمالية ، إلا أنها تساق إلى المجهول . السلطة الشرعية فيها ديكورية ، والقرار لضباط الأحتلال ، ولا صوت يعلو على صوت الميليشيا .
الرئيس هادي ، الذي يدعي التحالف دعم شرعيته ، يُمنع من العودة إلى العاصمة المؤقتة عدن ، والمحافظون والمسؤولون الذين يُعينهم هادي في تلك المناطق ، لا يتمكنوا من ممارسة مهامهم . وعلى سبيل المثال ، لا يُسمح لمحافظ تعز بزيارة المديريات الساحلية المحررة والمطلة على باب المندب ، وقد باتت منطقة عسكرية مغلقة على القوات الإماراتية وميليشيات محلية موالية لها .
بإختصار : المناطق ” المحررة ” هي في الحقيقة محتلة بإمتياز ، لكن قوى الإحتلال لا تعلن عن ذلك بشكل رسمي ، أولا ، لأنها قوى متعددة ، وكل منها يعمل بالوكالة عن آخرين . وثانيا ، حتى لا يتحمل المسؤولية فيما قد تؤول إليه الأوضاع في تلك المناطق . وهذا الوضع يدفع الجيش واللجان الشعبية اليمنية ، وأبناء المحافظات الشمالية إلى المزيد من الصمود ليتجنبوا واقع ” المحافظات المحررة ” .
مفارقات
بدأت هذا المقال بمواقف الصحفيين ” ديفيد الأميركي ، وديفيد البريطاني ” من الحرب على اليمن وما يعانيه اليمنيون ، وأختتمه هنا بموقف إعلامي عربي مسلم ، هو الكاتب الكويتي ناصر العبدلي ، والذي يرى أن التدخل السعودي في الحرب على اليمن و سوريا وحصار قطر أسبابها داخلية بحتة ، وترتبط إرتباطا عضويا بمشروع الإصلاح الذي يتبناه محمد بن سلمان في السعودية .
وقال العبدلي في مقاله الذي نشر في ” رأي اليوم ” الإلكترونية ، بأن التدخل السعودي في تلك البلدان يُعد : ” أحد أدوات الأمير الشاب في التأثير على الداخل ، إذ لم يكن من الممكن قبول دوره الجديد داخل أسرة آل سعود دون أن يكون هناك تحركا خارجيا بهذا الحجم لإرباك خصوم دوره الجديد داخل الأسرة ، وشل المؤسسة الدينية تجاه أية تدبيرات مضادة يمكن أن تقوم بها بتحريض من أطراف في الأسرة بهدف إجهاض مشروع الإصلاح .” .
ويستطرد الكاتب سرد الصعوبات المحتملة أمام ” الأمير الشاب ” ويختتم مقاله : ” لكن مع كل ذلك هناك فرصة كبيرة أن ينجح مشروع التحديث وتتحول المملكة إلى دولة طبيعية قائمة على مؤسسات حقيقية ” . !
لا يكترث العبدلي لما يحدث في اليمن من قتل وتدمير مستمر منذ ثلاث سنوات ، وينظر لكل تلك المأساة بأنها ” أداة بيد الأمير الشاب ” لتنفيذ برنامجه الأصلاحي لمملكته .! وهو بهذا الموقف يبدو وكأنه يصبغ للأمير سجادا أحمرا من دماء اليمنيين ويبني له جسرا من ركام اليمن ، كي يصل بالأمير الشاب إلى العرش !.
وهنا تتجلى المفارقة بين ديفيد و العبدلي ، بين نصر الله ، ونصرالشيطان ، بين الإنسان والحيوان .
ومن على هذا المنبر ، أدعوا أخواننا الإعلاميين العرب بأن يقولوا شيئا عن اليمن ، ليس من أجل اليمن واليمنيين فقط ، بل من أجل أنفسكم ومن أجل أوطانكم ، فما يحدث في اليمن ليس سوى فصلا من فصول المؤوامرة التي تستهدف الجميع .

التعليقات معطلة.