خالد الجيوسي
كاتِبٌ صحافي سعودي، يَطُل على السعوديين أُسبوعيّاً، يطلب منهم في آخر إطلالة تلفزيونيّة، أن يقوموا بترشيد نفقاتهم، وإعادة التفكير جليّاً، بكيفيّة التوفير حتى تتناسب الرواتب مع مُتطلّبات الحياة، وفرض الضرائب، ورفع أسعار البنزين.
آخر وهو أمير، يطلب من الشعب السعودي، ويستعين بصورة أحد الشعوب الفقيرة، ويُطالبهم أن يخشوشنوا، حتى لا تزول النّعم، أمّا ثالثهم، وهو أصغر ملياردير (طفل) من العائلة الحاكمة، يطلب من الشعب تحمّل الدولة، فلقد أعطتهم سابِقاً، ما يكفي من أموال، ورفاهيّة.
يتقاطع الإعلام إذاً مع توجّهات الأُمراء، ليَصب جميعه في خدمة تهيئة الرأي العام السعودي لتقبّل الزيادات، والفقر، والغلاء، والفساد، ويتماشى مع عصر الرؤية، ويصبر ويتحمّل، وهذا كُلّه، أمام حملة اعتقال شعواء تطال كل حتى من يُفكّر بانتقاد الفقر، والغلاء، على الجميع السمع والطاعة في بلاد الحرمين.
كيف يُطلب من الشعب السعودي تحمّل الفقر، والغلاء، والفساد، وهو يُشاهد بأُم عينه كيف يعيش المسؤولين في بلاده، كيف عليه أن يتقشّف، ويمنع عن أطفاله اللقمة، وغيره من “حكّامه” يشترون قصوراً، قد لا يزورها الأمير فيهم، مرّةً في حياته، وتتحوّل إلى منازل للخدم والحشم، وتُعرف بأنها للأمير الفُلاني، وينبهر المارّة من أمامها أي القصور، وهي لو فُتحت أبوابها للفقراء والمساكين في السعوديّة، لوجدوا في دورات مياها، ما يُغنيهم عن طلب الحاجة.
يقول لي مُواطن سعودي، كان من أشد المُتحمّسين لولي العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان، لقد تأمّلنا خيراً بحماسته، وسُرعة قراراته، وكُنّا نعتقد أن البِلاد ستَدخل مرحلة التطهير، والإصلاح، وسيقضي على الفساد، وحملته ضِد الأُمراء في السجن الفاخر، جعلت منه بطلاً في أذهاننا نحن الشباب، لكن يقول المُواطن، اصطدمنا بجدار الخيبة، حين بدأ الجميع يَخرج تِِباعاً مُقابل صفقات، المسألة إذاً شخصيّة، وتَصب في مصلحة فلان، وعلنتان، الأمر لا علاقة له بمُكافحة الفساد، والفساد جاثم على صُدورنا، يُضيف المُواطن.
شعبيّة الأمير محمد بن سلمان، كما وصلت لألقها، ستبدأ بالتراجع تدريجيّاً، وليس أسوأ من الشعوب العربيّة وعواطفها الجيّاشة حين تعشق قائداً، وتُصاب من أفعاله بخيبات مُتوالية، وبالنظر إلى قائمة المُنجزات لولي العهد السعودي، تبدو خاليةً على الأقل على صعيد طُموحات الشباب، الذين اعتقدوا أنه مُخلّصهم من الفاسدين في أحسن تقدير.
تُحسن الجُيوش الإلكترونيّة السعوديّة الجرّارة إلى جانب الإعلام، وتغريدات بعض الأُمراء، بتحريك الرأي العام ربّما، وربّما حتى توجيهه نحو قضايا حسّاسة، وإشغاله بها، لكن نعتقد أن الهم الاقتصادي، لا يُمكن السيطرة عليه في حال انفلاته، وتحوّله لغضب وامتعاض، ومن يرصد منصّات التواصل وتحديداً موقع التدوينات القصيرة “تويتر”، يجد هذه “الانتفاضة” لو صح التوصيف الافتراضية، وبات الكثير يخرج في مقطع فيديو، ليشرح عن وضعه الاقتصادي المُتردّي، ورفضه لهذا الرفع، وفرض الضرائب، واللافت أن خِشية الاعتقال، بدأت تتلاشى تدريجيّاً، فالوجوه المُلثّمة لم تعد تُخفي وجهها بعد اليوم.
يُخطئ من يعتقد أن الداخل السعودي، مُحصّنٌ من التظاهرات الشعبيّة، لعوامل الرعب، وسُلطة الأمن والدولة الحديديّة، ودليل اعتقادنا هذا، أن الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، والذي يترحّم الجميع دون استثناء على عهده، لم يعتمد على قبضته الحديديّة حين اشتعل “الربيع العربي” في دُولٍ عربيّةٍ مُجاورة، واستخدم حكمته في حينها، و”اشترى” الولاء الدائم لشعبه، وأعلن حملة مُكافآت، وزيادات، وحرص على مُواصلة الرفاهية، على عكس العهد الجديد الذي يُعلن “التقشّف”، ويُطالب بأن يكون أُسلوب حياة، ويُركّز على الترفيه لا الرفاهية.
لا بُد أن يأتي اليوم، الذي تستخدم فيه الدول التي تُعاديها المملكة، ذات حيلة “المُؤامرة الداخليّة”، وتحريك الشعب ضِد حُكومته، واستغلال ثغرات الغلاء، والفقر، والفساد، وحينها ربّما ستلجأ حكومة السعوديّة للعُنف، وسيَسقط ضحايا، وستنفلت زِمام الأُمور، فالحُكومة التي “تُحرّم” التظاهر، من الصّعب أن يكون ضمن أدبياتها، احتواء المُطالبات الشعبيّة، والتعامل معها على أساس أنّها مُحقّة، فحذاري كُل الحَذر من نقمةٍ شعبيّة آتية لا محالة، والنصيحة بِجَمل!