تقرير: خلافات حماس وفتح تقضي على الحلم الفلسطيني

3


24 ـ زياد الأشقر

بلغت القضية الفلسطينية مرحلة من الانحسار لم تشهدها منذ 80 عاماً، دون أن يتمكن أحد من قلب الأمور رأساً على عقب.

يقاتل الفلسطينيون بعضهم بعضاً، وهم عالقون بين مجموعات عنيفة

وكتب ماركوس والكر في صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، أن قطاع غزة هو عبارة عن أنقاض. وقد يغادر الكثيرون من السكان أو يُدفعون إلى المغادرة عقب الحرب التي اندلعت بسبب هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول). والأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية تخترقها المستوطنات الإسرائيلية التي تتوسع باستمرار. وتقيم دول الشرق الأوسط علاقات مع إسرائيل، بينما حلفاء مثل إيران وميليشيا حزب الله اللبناني قد تلقوا ضربات قوية من إسرائيل العام الماضي.
وفي الوقت نفسه، يقاتل الفلسطينيون بعضهم بعضاً، وهم عالقون بين مجموعات عنيفة، مثل حماس وحركة فتح، التي تحكم أجزاء من الضفة الغربية وينظر إليها على نطاق واسع بأنها فاسدة وعاجزة.

قوة ثالثة
ولا توجد قوة ثالثة قادرة على كسر هذه الازدواجية، ولا يظهر جيل جديد داخل أي من هذين الطرفين يقدم رؤية أو استراتيجية جديدة.
تقول نهى كمال، الأم لثلاثة أولاد من رفح بجنوب قطاع غزة، التي تعين عليها الفرار من المدينة التي تحولت إلى أنقاض إلى حد كبير: “أكره الفصيلين.. لولا انقساماتهما، لما كنا انتهينا إلى هذا الوضع”.

ويتفجر هذا الإحباط المتفشي على نطاق واسع، على شاكلة احتجاجات في الشوارع في غزة، وصلت إلى حد قتل ضابط شرطة من حماس، انتقاماً.
ويهتف المتظاهرون في الجيب الفلسطيني “حماس بره، بره”، متحدين القمع العنيف الذي تمارسه الحركة، وكذلك الحرب الإسرائيلية المتجددة.
وكان إجراء الاستطلاعات صعباً ومتقطعاً خلال الحرب، لكن في استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية الذي يتخذ رام الله مقراً له في الخريف الماضي، تبين أن 35 في المائة من الغزيين يدعمون حماس. بينما تدنت نسبة الذين يؤيدون فتح في الضفة الغربية حيث تسيطر الحركة، إلى 18 في المائة.

نضال غير متكافئ
ويتفق الفلسطينيون على أمر واحد، وهو كيف أن الانقسامات الداخلية قد أضعفتهم في النضال غير المتكافئ ضد إسرائيل.
وقال ناشط من فتح في جنين يدعى فراس أبو الوفا: “عوض مقاتلة الاحتلال، فإننا منشغلون بقتال بعضنا البعض”، وأكد أنه من دون وحدة وبروز وجوه جديدة، فإن القضية الفلسطينية مصيرها التلاشي.

ويذكر أن حلم الدولة الفلسطينية كان يخيم عليه أصلاً الغموض في السنوات التي سبقت هجمات 7 أكتوبر التي أسفرت عن مقتل 1200 إسرائيلي وخطف 251 كرهائن وأشعلت حرباً لمدة عام ونصف عام. إن إخفاق عملية السلام، التي كانت قائمة بموجب اتفاقات أوسلو التي أبرمت أوائل التسعينات، تركت السلطة الفلسطينة كشريك ثانوي في استمرار الاحتلال الإسرائيلي، عوض أن تكون حجر الأساس نحو الاستقلال.
وبحلول عام 2010، فإن الغالبية على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لم تعد تؤمن بحل الدولتين-أي اقتسام الأراضي لوضع حد لصراع عمره قرن من الزمن.
وأملت حماس بأن يعيد هجوم أكتوبر إحياء القضية الفلسطينية، واضعة نفسها في المقدمة. وعلى مدى أشهر، كان 70 في المائة من الفلسطينيين يؤيدون الهجوم، وذلك لسبب رئيسي هو تسليط الضوء العالمي على القضية مجدداً، وفق ما يقول المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية.

لكن الرأي العام، وخصوصاً في غزة، شهد تحولاً، بعدما تسببت الحرب بآلام أكثر من المكاسب، ولا تزال نسبة من نصف المستطلعين تؤيد هجوم أكتوبر في الخريف الماضي، بينهم 39% في غزة.
وأسفرت الحرب في غزة عن مقتل أكثر من 50 ألف شخص، وفقاً للسلطات الصحية المحلية، التي لم تُحدد عدد المقاتلين. ودمرت أجزاء كبيرة من القطاع، ونزح معظم سكانه، الذين يزيد عددهم عن مليوني نسمة، مرات عدة.
وبينما عدد القتلى الدقيق لا يزال غير مؤكد، فليس هناك شك في أن عدد المدنيين والمقاتلين الفلسطينيين الذين قتلوا في غزة أكبر من أي جولة سابقة من القتال في الصراع المستمر منذ قرن، بما في ذلك حرب عام 1948 التي شهدت تأسيس إسرائيل وفرار أو طرد نحو 750 ألف فلسطيني من ديارهم.
وقال الباحث في معهد دول الخليج العربية بواشنطن حسين إبيش: “يُمثل 7 أكتوبر نقطة تحول في تاريخ الصراع، وهو المسمار الأخير في نعش حل الدولتين على أساس حدود عام 1967”.
وأضاف: “يرى الفلسطينيون أن نهاية مشروعهم الوطني آتية، وقد جعلت حماس ذلك ممكناً”.
كما خاب أمل أنصار فتح بزعيم الحركة محمود عباس، الذي يترأس السلطة الفلسطينية.
كان يُنظر إلى هذا المناضل الفلسطيني المخضرم، البالغ من العمر 89 عاماً، في السابق على أنه خليفة أكثر اعتدالاً للزعيم الوطني المخضرم ياسر عرفات. لكنه يُنظر إليه الآن على نطاق واسع على أنه متمسك بالسلطة، بعدما عرقل الانتخابات لما يقرب من 20 عاماً، وأظهرت استطلاعات المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، أن ما بين 80 و90% من الفلسطينيين يريدون استقالته.

التعليقات معطلة.