لماذا طلبت إيران نقل المحادثات مع الأميركيين إلى أوروبا بدلاً من مسقط؟
33
تشير الأنباء المتداولة إلى أن طهران وواشنطن قررتا نقل مسار محادثاتهما غير المباشرة من العاصمة العُمانية مسقط إلى إيطاليا، ومن المرجّح أن تُعقد الجولة القادمة يوم السبت المقبل، بعد انتهاء لقاء جمع بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقچي ومبعوث ترامب الأميركي ويدكوف في مسقط. هذا التحول الجغرافي يفتح الباب أمام عدة تساؤلات واستفهامات حول الأسباب الكامنة خلف الطلب الإيراني، وما إذا كان يحمل دلالات استراتيجية أو تكتيكية تتجاوز المكان نفسه.
هل انتهى دور مسقط كوسيط موثوق؟
منذ عقدين تقريبًا، لعبت سلطنة عمان دور الوسيط الهادئ بين إيران والولايات المتحدة، وتميّزت سياستها بالحياد والسرية، مما منحها ثقة كلا الطرفين. لكن التطورات الإقليمية، خصوصًا بعد تصاعد التوتر في البحر الأحمر واليمن، أضعفت إلى حدٍ ما صورة مسقط كمكان “محايد” في نظر الإيرانيين، الذين يرون أن المحادثات هذه المرة قد تشمل ملفات أكثر حساسية من مجرد النووي.
خارج علم العرب: حجبٌ أم احتراز؟
أن رغبة طهران في إبعاد المحادثات عن الأراضي العربية، قد تكون نابعة من سعيها لتداول ملفات ومعلومات لا تريد مشاركتها أو تسريبها في بيئة عربية. البعض يذهب إلى أن إيران تريد أن تكون هذه الجولة “خاصة”، بعيدًا عن آذان أطراف إقليمية عربية، ربما لأنها تتعلق بترتيبات قادمة قد تشمل تنازلات أو تفاهمات غير مرغوب كشفها حاليًا.
أوروبا: اللاعب الأصلي في مشهد الملف النووي
أوروبا، وتحديدًا الثلاثي (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا)، كانت ولا تزال طرفًا أساسياً في صياغة وإنجاح الاتفاق النووي لعام 2015. علاقتها الفنية مع طهران أعمق مما يظهر في الإعلام. فشركات أوروبية أسهمت سابقًا في تطوير بعض منشآت إيران النووية، كما أن الأوروبيين لديهم شبكة علاقات عابرة للمصالح بين طهران وواشنطن، ويملكون قدرة أعلى على “تدوير الزوايا” لتقريب وجهات النظر.
الكهرباء النووية… وحصص المصالح
من المعروف أن إيران تُنتج جزءاً من كهربائها عبر الطاقة النووية، والتي يُباع قسم منها إلى العراق ضمن اتفاقات ثلاثية غير معلنة التفاصيل. وتشير بعض التسريبات إلى أن عائدات هذا البيع تُقسّم فعلياً وفق “حصص مصالح”: ثلث لإيران، وثلث لأوروبا (من خلال شركات مقاولات وصيانة)، وثلث لأميركا (وتحديداً اللوبي الأوبامي-البايدني) الذي ما زال يراهن على التهدئة مع إيران كمدخل لاستقرار أوسع في المنطقة.
ان نقل المحادثات إلى إيطاليا ليس مجرد اختيار لمدينة ذات طقس معتدل وهدوء سياسي، بل هو اختيار استراتيجي له أبعاده. إيران تسعى إلى هندسة مرحلة جديدة من التفاوض بشروط مختلفة، بعيدة عن الرمزية العربية في عُمان، وقريبة من عمق المصالح الأوروبية التي قد تضغط بدورها على واشنطن لمرونة أكبر في التعامل. أما العرب، فربما يُطلب منهم لاحقًا فقط “الامتثال” للنتائج، لا المشاركة في صناعتها.