احمد الحاج
كثيرة هي التقارير التي تتحدث عن سوء أوضاع العراقيين المادية والنفسية وعدم قدرتهم على تلبية إحتياجاتهم الحياتية واليومية من مسكن وملبس ومأكل ومشرب وعلاج ومواصلات وتعليم ، فمعظمهم إن نجح في تغطية قسم منها فإنه سيخفق حتما بتلبية اﻷخرى حتى إن بعضهم بات يلجأ الى المضمدين بدلا من اﻷطباء لتشخيص أمراضه المستعصية وعلاجها ضغطا للنفقات وبعضهم الى العشابين لتلافي التكاليف الباهظة برغم مخاطر ما يصنعون على حياتهم ، فيما بعضهم اﻵخر اكتفى بالرقي والتمائم ولو على أيدي سحرة ودجالين ﻻيرقبون فيهم إلا ولا ذمة ، وصرنا نسمع على غير العادة بفقراء يبيعون أعضاءهم ، وجياع يبيعون أبناءهم ، وأطفال شوارع يملأون الطرقات ويمارسون النشل والتسول والإحتيال ناهيك عن إنتشار البغاء والسرقة والاختلاس والرشوة والتعامل بالقروض الربوية والقمار وممارسة الغش بكل أنواع وأشكاله ، فيما ساسة البلاد ﻻهم لهم سوى تشكيل أحزاب وتحالفات جديدة لخوض الإنتخابات المقبلة والتحذير من مغبة تأجيلها وكأنها إن أجريت بموعدها المقرر سترفع الفقر والفاقة عن 10ملايين عراقي يرزحون تحت وطأته حاليا ، ولو وصل الحال بالعراقيين الى ما وصل اليه أشهر شعراء الكدية (ابو الشمقمق) الذي وصف حاله مع الفقر قائلا :
ليس إغلاقي لبابي أن لي .. فيه ما أخشى عليه السرقا
إنما أغلقه كي لا يرى .. سوء حالي من يجوب الطرقا
منزلٌ أوطنه الفقر فلو .. دخل السارق فيه سُرقا
فإن حدثا جللا سيقلب اﻷوضاع رأسا على عقب ﻻمحالة وبما لايتمناه أحد إطلاقا فضلا على أن يسيطر عليه أحد ولعل ما حدث في كردستان وأعقبه في إيران وشرارته بعد ترياق ( الصبر مفتاح الفرج ) الذي لم يعد مستساغا بالمرة بغياب العدالة الاجتماعية وإتساع الفوارق الطبقية ،كان ( الفقر مفتاح الهرج ) خير دليل على ذلك .
قديما قالوا في الحكم واﻷمثال ‘ الكلب قد يأكل مؤدبه إن لم ينل شبعه’
وﻻشك أن ثورة الجياع جامحة ﻻ مكان فيها للعقول الراجحة ولا للضمائر السمحة وعلى طغاة اﻷرض جميعهم تجنبها بإحلال العدل وإحقاق الحق ورفع الظلم وتوزيع الثروات وتأمين مصادر الرزق الحلال وحمايتها من عبث العابثين وفساد المفسدين ، ﻷن صوت الحكمة يغيب عن ثوارت الجياع اذا ما وقعت كليا ، ومن يتجرأ من الحكماء أو الخطباء على وعظ الناس ساعتها فأنه – سيسحل – ولسان حال الفقراء يردد ‘ آ الان تنصح ، أين كنت قبل اليوم ياهذا ؟؟’ وإقرأوا التأريخ إن شئتم بدءا من الثورة الفرنسية والى ماتشاؤون من ثورات وحتى قيام الساعة ، لذا فالكل يحذر من ثورات الجياع ﻷنها غير منضبطة وﻻمكان للعقل والتعقل فيها بتاتا !
والحل متوفر بين أيدينا خلاصته ‘ الضرب على يد السراق والعابثين والفاسدين وإعادة الاموال المسروقة الى خزينة الشعب ليأكل منها رغدا ويشكر ، ناهيك عن حث المتمكنين على إخراج الزكاة ودفع الصدقة وتشغيل العاطلين وكفالة اﻷيتام واﻷرامل والمسنين وذم البخل والشح فضلا عن المسرفين والمبذرين ، بعيدا عن الضوضاء وشغب الشوارع والحكمة تقول ‘ قطع الاعناق وﻻ قطع الارزاق ‘والجوع كافر ، وانوه الى ان الجوع والفقر الذي أنسى ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول ‘ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ فَقْرٍ يُنْسِينِي، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ غِنًى يُطْغِينِي’ .
فماحدث في كردستان من فوضى عارمة قبل فترة وجيزة وانساهم العصبية القومية كليا انما دافعه اﻷساس كان الجوع والفاقة وتأخير تسليم الرواتب منذ شهور طويلة مع تكدس المليارات في خزائن القائمين على الاقليم على مدى عقدين ونصف حيث المساعدات الدولية الفلكية وعائدات الابار النفطية المليارية وواردات المعابر الحدودية المليونية والصفقات التجارية الترليونية وحصص الموازنة البليونية !
ولطالما إستعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من الفقر والجوع الذي قرنه على الدوام بالنفاق والشرك والكفر وكان يدعو فيقول ‘وأعُوذُ بِكَ مِنَ الفَقْرِ، والكُفْرِ، والشِّرْك، والفُسُوقِ، والشِّقاقِ، والنِّفاقِ، والسُّمْعَةِ، والرِّياء’. وفي دعاء آخر: ‘ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ؛ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ؛ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ’ وفي دعاء آخر :’ اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر’.
وﻻشك أن علاقة الفقر والجوع بالكفر والخيانة والنفاق والشقاق وغياب اﻷمن جلية وواضحة ﻷن من يجوع فإنه يكفر بعشيرته ومبادئه وقيمه ومثله وباﻷخص اذا لم يكن هناك من يصطف معه ويدعو الى تخفيف جوعه ورفع الحيف عنه وعن عياله وهذا ما اشار اليه العالم ،إبراهام ماسلو ، في ‘نظريّة الدافع البشري’ ومثلثه الشهير حيث ترتيب الحاجات الفسيولجية واﻷمنية والاجتماعية والتقديرية وتحقيق الذات وﻻريب أن زواج المال بالسلطة حتى يكونا دولة بين اﻷغنياء منكم من دون الفقراء سينجب – ثورة جياع – ﻻمحالة ولو بعد حين ﻻيتمناها أحد لفوضويتها .
و بخلاف ما روجه المترفون عن الجوع ( أجع كلبك يتبعك ..أشبعه يعقرك ) ، فإن غيرهم قالوا فيه نقيض ذلك تماما ومنها ‘ عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه’ وقولهم ‘ الكتاب الذي لا يحلّ مشكلة الجوع بالعالم لا يستحق أن يُنشر ‘.اودعناكم اغاتي