نتنياهو خطط لخطاب درامي مزلزل… فداهمته المفاجآت

2

حساباته تشوشت بعد مقتل جندي في غزة واندلاع مظاهرات بتل أبيب

بعد 30 ساعة من الانتظار وحبس الأنفاس، ونقاشات طويلة على الشاشات وفي الشبكات، تبين أن الخطاب الدرامي لبنيامين نتنياهو، مساء السبت، لم يكن إلا شعارات مكررة لتبرير استمرار الحرب على غزة. فهو لم يتطرّق للموضوع الإيراني بأكثر من جملة مهترئة، يرددها منذ 14 عاماً «لن نسمح لإيران بالتسلح النووي».

لم يأتِ بجديد في رسالته السياسية، وكما اعتاد في السنوات الأخيرة، ألقى كلمته وراء ستار حديدي، بخطاب مسجل سلفاً لا يتاح فيه للصحافيين أن يوجهوا له أي سؤال.

وإن كان هناك من جديد في الخطاب فهو أنه هاجم الصحافيين الإسرائيليين «والخبراء الذين يحللون في الاستوديوهات» فاتهمهم بأنهم يقدّمون خدمة مجانية لـ«حماس» عندما يطالبونه بإنهاء الحرب.

فلماذا فعل نتنياهو ذلك؟

بدا واضحاً أن نتنياهو أراد بالخطاب إشغال الرأي العام للتغطية على حدث آخر يتوقع أن يكون درامياً حقاً؛ وهو التصريح المشفوع بالقسم، الذي سيدلي به رئيس جهاز المخابرات العامة (الشاباك)، رونين بار، الأحد، في المحكمة. فالجنرال بار كان يستعد للكشف عما يعتبره السبب الحقيقي لقرار نتنياهو بإقالته.

 

نتنياهو ورونين بار في تل أبيب (أرشيفية - د.ب.أ)
نتنياهو ورونين بار في تل أبيب (أرشيفية – د.ب.أ)

 

بار يقول إن «السبب ليس انعدام الثقة، كما يدّعي رئيس الحكومة، بل لأنني رفضت القيام بخدمات خاصة تتناقض مع مهمتي في المخابرات». علم نتنياهو نية بار عرض سلسلة حكايات وقعت بينهما في هذا السياق، ويظهر منها أن نتنياهو طلب إقناع المحكمة بتأجيل محاكمته في قضايا الفساد؛ لأن حياته في خطر وقد رفض، كما طلب منه أن يزيد الحراسة على عائلته ورفض أيضاً، وغضب منه لأنه أمر بالتحقيق فيما يُعرف باسم قضية «قطر غيت»، التي قبض فيها عدد من مساعديه أموالاً شهرية، وغيرها من القضايا الأخرى.

«تمناه خطاباً مزلزلاً»

كان نتنياهو يخطط أن يكون لخطابه أثر زلزال؛ لأنه اتهم فيه قادة الإعلام الإسرائيلي بخدمة دعاية «حماس»، وأن يقع هذا الزلزال، عندما يكون نتنياهو يحتفل بالميمونة (الميمونة هي طريقة اليهود المغاربة في إنهاء عيد الفصح. فبعد أسبوع من الصوم عن الخبز وكل ما يحتوي على خميرة من العجائن، يخبزون مختلف أنواع الحلويات ويقيمون حلقات الرقص والأغاني).

اختار نتنياهو وزوجته الحضور إلى بيت أنسبائه؛ إذ إن عائلة خطيبة ابنه الصغير أفنير، من قرية مزور شرقي تل أبيب. وتمت دعوة 300 شخص للاحتفال، جميعهم من أنصاره من اليهود الشرقيين، والرسالة هي: هم يتخبطون ونحن نحتفل.

لكن أحداثاً عدة شوّشت وخربت خطة نتنياهو؛ فأولاً: تبين أن قوات الجيش الإسرائيلي وقعت في كمين لمقاتلي «حماس» شمالي قطاع غزة، بينما كان نتنياهو أصلاً يزور النطاق قبل أقل من أسبوع للتباهي بانتصاراته.

 

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء زيارة لشمال غزة يوم 15 أبريل 2025 (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء زيارة لشمال غزة يوم 15 أبريل 2025 (أ.ف.ب)

 

وفي الهجوم الذي وقع السبت، قُتل جندي (تبين لاحقاً أنه درزي بدوي من رهط) وأصيب ثلاثة جنود بينهم جنديتان بجراح قاسية.

وثانياً: ترافق مع الهجوم إخفاقات؛ إذ إن الجيش أرسل فرقة تشغيل طائرات مسيّرة في منطقة يعتبرها آمنة لجنوده بعد أن سوّاها بالأرض، لكن مجموعة مقاتلين خرجوا من أحد ثقوب الأنفاق، التي كان الجيش أعلن عن تدميرها، وأطلقوا صاروخاً على سيارة تقل القوة.

أسفر الهجوم عن إصابة 3 مقاتلات، وتم استدعاء النجدة، فحضرت قوة كبيرة، وإذا بها تقع في كمين، وانفجرت بهم عبوة ناسفة، فقتل الجندي البدوي على الفور فيما أصيب أحد مرافقيه، وتبيّن أن القوة التي حددت جراح الجنديتين على أنها خفيفة أخطأت، وتأكد لاحقاً أنها قاسية جداً، وتأخر نقلهما وبالتالي علاجهما.

لا يحتفل ولا ينتصر

كل هذا جعل نتنياهو يتلبك، فلا هو يستطيع الاحتفال، ولا الحديث عن انتصار، كما قال في خطابه المسجل. وأصبح لازماً تغيير شيء في الخطاب، الذي كان قد أرسل إلى وسائل الإعلام.

ولكن ليس هذا فحسب، بل كان هناك من شوّش على نتنياهو الوصول إلى الاحتفال أيضاً؛ وهم المتظاهرون، فقد وصل المئات منهم إلى مزور. وحاولوا اقتحام مقر الاحتفال وهم يهتفون: «من يتخلى عن المختطفين، لن يتمكن من الاحتفال كالمعتاد».

 

متظاهرون إسرائيليون خلال احتجاج يوم السبت دعماً لإطلاق سراح جميع الرهائن بقرية مزور في تل أبيب (رويترز)
متظاهرون إسرائيليون خلال احتجاج يوم السبت دعماً لإطلاق سراح جميع الرهائن بقرية مزور في تل أبيب (رويترز)

 

وخاطب المنظمون نتنياهو: «هذه المقدمة فقط لحفل الزفاف القادم. لن تنعم بدقيقة واحدة من الهدوء، لا أنت ولا عائلتك. لن نسمح لكم بمواصلة الاحتفال وكأنه لا يوجد مختطفون في غزة. لن تكون احتفالات ولا زفاف ما دام المختطفون مدفونين أحياء في أنفاق (حماس)».

وقد اعتدت الشرطة عليهم بفظاظة وشكوا جميعاً من إصابات، بينهم جيران أنسباء نتنياهو، الذين فتحوا بيتهم لإسماع صوت الاحتجاج إلى أذن نتنياهو بالضبط.

ماذا كان بالخطاب المتأخر؟

خطاب نتنياهو، الذي تأخر بثه ساعتين، قد تضمن التصريحات التالية: «الحرب لها ثمن باهظ، ولكن كشعب يريد الحياة، ليس أمامنا خيار سوى الاستمرار. لن أستسلم للقتلة. فمثل هذا الاستسلام من شأنه أن يُعرّض أمن الدولة للخطر».

وأكد نتنياهو: «نحن في مرحلة حاسمة، والصبر ضروري. إذا استسلمنا الآن، فسنخسر كل مكاسبنا».

وفي هجوم مباشر على منتقديه، أكد نتنياهو: «لن ننهي الحرب حتى نهزم (حماس) ونعيد جميع الرهائن. أولئك الذين يدعون إلى إنهاء الحرب يرددون موقف (حماس) ويرفضون إطلاق سراح الرهائن».

وأضاف بلهجة اتهامية: «أي زعيم مسؤول يستطيع أن يقبل مطالب (حماس) بعد السابع من أكتوبر؟».

كما تطرق نتنياهو إلى ما وصفه بـ«خدعة (حماس)»، وقال: «(حماس) ليست غبية. إنهم يريدون ضمانات دولية ملزمة تمنع استئناف الحرب. في حالة كهذه، لن تكون لدينا بعد الآن شرعية لاستئناف القتال».

وتابع: «إذا التزمنا بعدم القتال، فلن نتمكن بعد الآن من العودة للقتال في غزة. فمنذ بداية الحرب، سمعنا دعوات لإنهائها بالاستسلام، وقد تزايدت هذه الدعوات مؤخراً، خصوصاً أولئك الذين يجلسون في الاستوديوهات، ويطلقون خطاباً يثير فرح (حماس)».

وواصل: «لو رضخت، لما دخلنا رفح، ولما خلقنا الظروف التي أسقطت نظام الأسد، ولما قضينا على (محمد) الضيف، و(يحيى) السنوار، وعليه فلن لن ننهي هذه الحرب الانتقامية حتى ندمر (حماس)، ونعيد كل رهائننا، ونضمن أن غزة لم تعد تشكّل تهديداً لإسرائيل».

شهادة دفن

وفي أعقاب الخطاب توالت ردود الفعل، وغالبيتها سلبية ضد نتنياهو. واعتبرته العائلات «شهادة دفن لـ59 إسرائيلياً محتجزين في غزة». وكما قالت فيكي كوهن، والدة الجندي ألكس: «أنا أرسلت ابني ليحارب بقناعة تامة أن الجيش سيحميه ويحفظه، وإذا وقع في الأسر فسيعمل كل ما في وسعه ليعود سالماً، لم أتوقع أن يتم إهمال ابني، فلا الحكومة ولا الجيش يكترثان لأولادنا».

 

فيكي كوهين والدة الأسير الإسرائيلي نمرود كوهين خلال فعالية يوم الأحد للمطالبة بإطلاق سراحه جنوب إسرائيل (رويترز)
فيكي كوهين والدة الأسير الإسرائيلي نمرود كوهين خلال فعالية يوم الأحد للمطالبة بإطلاق سراحه جنوب إسرائيل (رويترز)

 

وقد أقيمت مظاهرات بمشاركة نحو 30 ألفاً في 80 مظاهرة، في جميع أنحاء إسرائيل تقريباً. وجميع الخطابات فيها جاءت صريحة واتهمت نتنياهو بإدارة حرب لمصالحه الشخصية والحزبية.

وقال الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات في جيش الاحتياط، عمرام لفين، إن «لدينا رئيس حكومة يرسل جنودنا للموت في سبيل مصلحته الشخصية. في بلاد أخرى يدخل إلى السجن. ويجب ألا نسمح له بالاستمرار».

وقالت عيناف زانجاوكر، والدة الجندي الأسير متان: «بدلاً من تحقيق اختراق من شأنه تحرير الرهائن، نواجه فشلاً آخر في المفاوضات. نتنياهو بشكل مباشر يقوم بتخريب المفاوضات لأسباب شخصية. نتنياهو يرفض إنهاء الحرب لأسباب شخصية ويدفن الرهائن في الأنفاق. يخدعنا ويخدع شعباً بأكمله من خلال اقتراح اتفاق عالمي ثم يفشله قبل المرحلة (ب) ويستأنف القتال على حساب الرهائن».

وفي بيان رسمي، توجهت العائلات إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشكل مباشر. وقال يهودا كوهين، والد أحد الرهائن: «سيدي الرئيس، لقد فشلت التجربة. لقد ضللك نتنياهو أنت وجميعنا في طريق لا يؤدي إلى أي مكان. فشل الاتفاق قبل المرحلة (ب) واستئناف الحرب لم يُفضِ إلى عودة الرهائن! تكثيف الضغط العسكري على (حماس) لم يُؤدِّ إلى تليين موقفها! (حماس) تصر على نفس الشرط: تحرير الجميع مقابل وقف الحرب». «نتنياهو باعكم الأكاذيب بينما الرهائن يعيشون في الجحيم».

فهل استفاد أحد من هذه «الخضة» الدرامية التي أشعلها نتنياهو؟ بالطبع لا. ولا حتى نتنياهو نفسه.

التعليقات معطلة.