تلميحات باحتمال اعتقال “الشرع” في بغداد
بغداد/ تميم الحسن
ينتقد طرفان أو ثلاثة داخل التحالف الشيعي زيارة أحمد الشرع، الرئيس السوري، المرتقبة إلى بغداد، فيما يسكت بقية “الإطار التنسيقي”.
الحديث في العراق عن “الشرع” يأتي في توقيت حساس مع قرب الانتخابات.
لذا تفكر الزعامات الشيعية “مئة مرة” قبل الخوض في هذا الموضوع، بحسب سياسيين.
وكان محمد السوداني، رئيس الحكومة، قد فجّر أكثر من مفاجأة خلال الأسبوع الأخير.
وظهر رئيس الحكومة في صورة انتشرت يوم الخميس الماضي، تجمعه مع الشرع في قطر، في زيارة غير معلنة إلى الدوحة.
ولم تعلن الحكومة بشكل رسمي عن الزيارة التي يُعتقد بأنها حدثت يوم الثلاثاء.
لكن السوداني قال يوم الأربعاء الماضي، خلال تواجده في السليمانية، إنه أرسل دعوة للرئيس السوري لحضور القمة العربية، دون أن يتطرق للزيارة.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية، يوم الخميس، عن مصدر مسؤول مقرّب من الحكومة العراقية – لم تكشف عن اسمه – أن السوداني أجرى زيارة سريعة إلى دولة قطر.
وقالت الوكالة إن رئيس الحكومة التقى خلالها بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس السوري أحمد الشرع، بحضور الأمير.
وكانت الحكومة العراقية قد أعلنت، الشهر الماضي، أن القمة ستُجرى في 17 أيار المقبل.
وأحدث السوداني، خلال تصريحاته الأخيرة في ملتقى في السليمانية، صدمة في الأوساط الشيعية بسبب إعلان ترشحه بنفسه للانتخابات.
وبحسب مصادر شيعية تحدثت لـ(المدى)، فإن رئيس الحكومة “خالف اتفاقاً سابقاً؛ يقضي بنزول الأخير في قائمة دون أن يترشح شخصياً، مقابل التخلي عن فكرة تعديل قانون الانتخابات”.
ومن المفترض أن تُجرى الانتخابات التشريعية في 11 تشرين الثاني المقبل.
ردود شيعية
في غضون ذلك، لمح قيس الخزعلي، زعيم العصائب، بإمكانية “اعتقال الشرع” في حال حضوره إلى بغداد.
والخزعلي لا يبدو قريباً من التحالف مع السوداني، بحسب الخريطة الأولية للتحالفات الانتخابية القادمة.
وقال زعيم العصائب: “حضور رئيس النظام السوري الحالي إلى العراق يُعد سابقاً لأوانه، لأنه قد يؤدي إلى تداعيات إذا تم تطبيق القانون واعتقاله من قبل القوات الأمنية، نظراً لوجود مذكرة اعتقال نافذة بحقه”.
وفي شباط الماضي، أعلنت الخارجية العراقية بأنها سترسل دعوة لـ”الشرع”، فيما زار وزير الخارجية أسعد الشيباني بغداد الشهر الماضي.
وضمن ردود الفعل المحلية، كشف النائب يوسف الكلابي عن تحرّك نيابي ضد ما وصفه بـ”الترحيب بالجولاني”.
وقال الكلابي على منصة “إكس”: “في أول إجراء نيابي ضد الترحيب بالجولاني وانتصاراً للشهداء (…) أكثر من خمسين نائباً يطالبون رئاسة مجلس النواب بمخاطبة الحكومة لرفض دخول الجولاني للعراق”.
بالمقابل، وجد أبو علي العسكري، المتحدث باسم كتائب حزب الله، أن دعوة “الشرع” إلى بغداد غير ضرورية.
وفي تدوينة جديدة للعسكري، بعد غياب، قال: “كانت القمم العربية تُعقد دون حضور الرئيس الأسد، ودون العراق أو ليبيا، وهي لن تتوقف قطعاً بسبب عدم حضور المدان (أبو محمد الجولاني)، زعيم جبهة النصرة الإجرامية”.
وكان نوري المالكي، زعيم دولة القانون، قد رفض في وقت سابق “لقاء الشرع”، ووصفه بـ”الإرهابي”.
خسارة الجناح الإيراني
في موازاة ذلك، تسكت بقية الاطراف الشيعية عن دعوة الرئيس السوري الى بغداد.
ويقول ظافر العاني، النائب السابق، إن “الاعتراضات على تسوية العلاقة بين الحكومتين العراقية والسورية ناجمة بالأساس من المجموعات التي تشعر بفداحة الخسارة الستراتيجية للمحور الإيراني”.
وغالباً ما يُشار إلى الفصائل والجماعات السياسية القريبة من إيران في العراق، بأنها ضمن “المحور الإيراني”.
ويضيف العاني، في اتصال مع (المدى): “ما جرى في سوريا وسقوط الأسد تسبب في قطع صلة الربط بين أطراف المحور وطهران”.
وهذه الخسارة، بحسب العاني، دفعت الجماعات الحليفة لإيران في العراق إلى ترديد اتهامات ضد الشرع، حتى بعد أن “سربت الجهات الرسمية معلومات ووثائق تؤكد أن لا دخل للرئيس السوري الجديد بالشأن العراقي أو الأحداث الدامية التي جرت فيه”.
ضد السوداني
ومن جانب آخر، يرى العاني، وهو عضو سابق في لجنة العلاقات الخارجية، أنه في ظل حمى الانتخابات التي بدأت مبكراً، فإن الاعتراضات على زيارة “الشرع” لا تبدو منفصلة عن كونها حملة انتخابية ضد السوداني لإضعاف شعبيته.
ويشير العاني إلى أن ما يجري هو “فرصة داخل الأوساط الشعبية الشيعية لإظهار السوداني بأنه مستهين بالدماء، متناسين أن من كان يقف وراء دعم العنف والتطرف هو نظام بشار نفسه”.
ويجد النائب السابق أن من الإيجابيات أن رئيس الحكومة “أصغى للمصلحة الوطنية غير مبالٍ بكل هذه التخرصات المشبوهة الدافع والأهداف”.
التعامل بالمثل
إلى ذلك، طرح الباحث في الشأن السياسي، علي البيدر، سؤالاً للمعترضين على وجود الشرع في العراق: لماذا الإصرار على عدم دعوته؟!
البيدر قال، في اتصال مع (المدى): “حضور الشرع أو عدم حضوره لن يؤثر على العراق ومكانته أو الأحداث التي تجري في المنطقة، لكن علينا أن لا نسير عكس التيار في مثل هكذا قضايا، ونذهب مع خيار الأغلبية”.
وأضاف: “العراق انفرد في قرارات بمراحل سابقة، وحصل على نتائج سلبية إلى حد كبير”.
فما هو السبب الذي دفع الأطراف إلى تبنّي خيار الرفض من وجود الشرع؟
يجيب البيدر: “إذا كان السبب أخلاقياً وقانونياً من الشرع، فنتفهم هذه الرغبات، لكن المفروض أن يكون لدى المعترضين نفس المواقف مع زعامات عربية أخرى سيتواجدون في القمة”.
بعيداً عن الأزمات
وأكد الباحث أن ما تسعى إليه الحكومة هو إنجاح القمة العربية دون أية ملاحظات، خصوصاً وأن هناك الكثير من المشتركات بين العراق وسوريا، ويحاول السوداني أن يتعكز عليها لصناعة مرحلة جديدة من العلاقات.
ويتابع البيدر: “العراق يسعى إلى ترجمة ما يُطلق عليه الدبلوماسية المنتجة من قبل الحكومة، وهذه الدبلوماسية يجب أن تحلّ جميع المساحات والمسافات بعمل الدولة”.
وبيّن الباحث أن الذهاب إلى خلق علاقة جيدة وإيجابية مع سوريا أفضل من صناعة أزمة، كون الأطراف التي جاءت إلى السلطة في سوريا “قد تتخذ مواقف تُقوّض الاستقرار في العراق، أو تخلق قضايا غير مناسبة للبيئة المستقرة التي تعيشها البلاد”.