الذكاء الاصطناعي… الإشكاليات الأخلاقية وآفاق الحلول الفلسفية 

2

لبنى الهاشمي
   

يشهد العصر الراهن تحولاً رقمياً متسارعاً، أصبح فيه الذكاء الاصطناعي أحد أبرز مُحفِّزات التغيير في شتى مناحي الحياة الإنسانية والمجتمعية. وفي خضم هذا الواقع التقني المتنامي، تبرز الحاجة المُلِحَّة إلى إعادة تفعيل دور الفلسفة بوصفها حقلاً معرفياً نقدياً، قادراً على دراسة وتحليل الانعكاسات العميقة للتكنولوجيا على الإنسان والمجتمع والقيم. يهدف هذا المقال إلى استقصاء الكيفية التي يمكن للفلسفة أن تساهم في إعادة صياغة الأطر المعرفية والأخلاقية اللازمة لمواجهة تحديات العصر الرقمي والذكاء الاصطناعي، وتوجيه مساراتها نحو غايات إنسانية أسمى.
 تواجه المجتمعات المعاصرة تحديات أخلاقية ومعرفية واجتماعية مستجدة ومعقدة، من قبيل تآكل الخصوصية الفردية، وتفشي الانحياز الخوارزمي الذي قد يكرس التمييز وعدم المساواة، وهيمنة الشركات التقنية الكبرى وما يترتب عليها من تحكم بالمعلومات وتوجيه للرأي العام.
وتتفاقم هذه الإشكالية في ظل العصر الرقمي الذي أتاح مساحات واسعة للتفاعل البشري، ولكنه في الوقت ذاته، قد يسهم في تعميق الانقسامات وتغذية خطابات الكراهية والتعصب، مما يضع قيمتي التسامح والتعايش السلمي أمام تحدٍ وجودي. فبينما دافع فلاسفة التنوير مثل فولتير عن التسامح كضرورة للسلام المدني، وأكد جون لوك على الحقوق الطبيعية والحرية كأساس للمجتمع، وحلل جان جاك روسو العقد الاجتماعي كضامن للحقوق والواجبات، نجد أن الفضاء الرقمي قد يُستغل لتقويض هذه المبادئ. لذا، تتبلور مشكلة محورية في التساؤل التالي:
كيف يمكن للفلسفة، بأدواتها النقدية والتحليلية والتأصيلية، أن تسهم في صياغة إطار أخلاقي ومعرفي شامل، لا يقتصر على مواجهة تحديات العصر الرقمي والذكاء الاصطناعي التقنية والأخلاقية المباشرة، بل يمتد ليشمل استكشاف السبل الكفيلة بتسخير هذه التقنيات كأداة لتعزيز قيم التسامح، وتوطيد أسس التعايش السلمي، وتحقيق السلام المستدام في المجتمعات الإنسانية، في ضوء الإرث الفلسفي والحاجة المعاصرة؟ وكيف يمكن تحويل الفضاء الرقمي من ساحة للصراع والانقسام إلى فضاء للحوار والتفاهم المتبادل؟
لا نتغافل عن الدور المتجدد للفلسفة في سياق التحول الرقمي الشامل. إذ لا يُنظر إلى الفلسفة هنا كمجرد تأملات نظرية مجردة، بل كنشاط نقدي وتحليلي حيوي يسعى إلى فهم واستيعاب التحولات الاجتماعية والثقافية والوجودية العميقة الناجمة عن التكنولوجيا الحديثة. 
هناك مفاهيم مستعادة بقوة، مثل الشفافية الخوارزمية، والمساءلة الرقمية، والمواطنة الرقمية، والعدالة الخوارزمية، كما لا نجهل بأن هناك تجاوزات عديدة يمكن أن تؤدي إلى انتهاكات أخلاقية خطيرة، تخل بمبادئ العدالة والمساواة وتفضي إلى انتهاك للواقع الاجتماعي القائم أو خلق صراعات جديدة.
علاوة على ذلك، يبرز تحدي التسامح والتعايش في الفضاء الرقمي. وفي المقابل، أصبح الفضاء الافتراضي أيضاً بيئة خصبة لانتشار خطاب الكراهية والتضليل والمعلومات المغلوطة، مما يقوض أسس الحوار البناء ويهدد السلم الاجتماعي.
ومن هنا، الضرورة القصوى لوجود إطار أخلاقي وقانوني متين، يستلهم من الحكمة الفلسفية، ففي ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة وتأثيراتها العميقة، تصبح الحاجة ماسّة إلى تبني أطر فلسفية نقدية وبنّاءة، قادرة على تحليل الأسس القيمية والمعرفية للتكنولوجيا، والمساهمة في صياغة سياسات تنظيمية وتشريعية توازن بين ضرورات الابتكار ومتطلبات الحفاظ على القيم الإنسانية الجوهرية والكرامة البشرية. 
إن التكامل الواعي والمنهجي بين الفكر الفلسفي والتطورات الرقمية ليس ترفاً فكرياً، بل ضرورة ملحة يمكن أن تُحدث تغييراً إيجابياً في كيفية تعاملنا مع التحديات الأخلاقية والمعرفية والاجتماعية المعاصرة، بما في ذلك تحديات الحفاظ على التسامح وتعزيز التعايش السلمي. ومن شأن هذا التكامل أن يعزز من صمود القيم الإنسانية الأصيلة في وجه التحولات التقنية، ويضمن توجيه استخدام التقنيات المتقدمة نحو غايات مسؤولة تخدم كرامة الإنسان وصالحه العام.

التعليقات معطلة.