البابا فرنسيس… عراب تغيير الكنيسة نحو الانفتاح

2


تجنب الكثير من مظاهر الأبهة والامتيازات ما جعله خصماً للمحافظين

رويترز


استطاع البابا فرنسيس تغيير وجه البابوية الحديثة (رويترز)

ملخص
أصدر توجيهات لذراع الأعمال الخيرية للبابوية بمساعدة المشردين في أحياء الفاتيكان، إذ وفرت لهم مأوى وأماكن للاستحمام وقص الشعر وزيارات أطباء متخصصين في أمراض القدم، كما أتاح للمشردين جولة خاصة في كنيسة سيستين وهي جزء من القصر البابوي.

كان البابا فرنسيس أكثر من غير وجه البابوية الحديثة فتجنب الكثير من مظاهر الأبهة والامتيازات، لكن محاولاته جعل الكنيسة الكاثوليكية أكثر انفتاحا وأقل انتقاداً للمخالفين جعلته خصماً للمحافظين الذين يميلون إلى أيام الكنيسة الخوالي.

وأعلن الفاتيكان اليوم الإثنين وفاته في بيان مصور.

ورث البابا فرنسيس كنيسة منقسمة بشدة بعد استقالة سلفه بنديكت السادس عشر عام 2013. واتسعت الفجوة بين المحافظين والتقدميين بعد انتخاب فرنسيس، الأرجنتيني الأصل، أول بابا غير أوروبي خلال 1300 عام.

وكان الاستقطاب أشد ضراوة في الولايات المتحدة حيث امتزجت الكاثوليكية المحافظة في كثير من الأحيان مع السياسات ووسائل الإعلام اليمينية الممولة جيداً.

وعلى مدى عقد من الزمن تقريباً حتى وفاة بنديكت في عام 2022، كان هناك رجلان يرتديان اللون الأبيض في الفاتيكان، مما تسبب في الكثير من الارتباك بين أتباع الكنيسة وأثار دعوات لوضع قواعد مكتوبة بشأن دور الباباوات المتقاعدين.

واتضحت شدة عداء المحافظين للبابا في يناير (كانون الثاني) 2023 عندما تبين أن الكاردينال الأسترالي الراحل جورج بيل، وهو شخصية بارزة في الحركة المحافظة وحليف لبنديكت، هو من كتب مذكرة مجهولة المصدر في عام 2022 تندد ببابوية فرنسيس وتصفها بأنها “كارثة”.

وكانت المذكرة بمثابة بيان للخصال والشمائل التي يريدها المحافظون في البابا القادم.

عيّن فرنسيس ما يقرب من 80 في المئة من الكرادلة الناخبين الذين سيختارون البابا القادم مما زاد، وإن لم يضمن، احتمالية أن يسير خليفته على درب سياساته التقدمية، وتوقع بعض الخبراء في شؤون الفاتيكان خليفة أكثر اعتدالاً وأقل إثارة للانقسام.

في عهده، سمح دستور الفاتيكان المُعدل لأي كاثوليكي معمد، بما في ذلك النساء، برئاسة معظم الأقسام في الإدارة المركزية للكنيسة الكاثوليكية، ودفع بعدد أكبر من النساء إلى المناصب العليا بالفاتيكان مقارنة مع أي بابا سابق، لكن ليس بالمعدل الذي أراده التقدميون.

كان عمر فرنسيس 76 سنة عندما انتُخب على رأس الكنيسة، وكانت صحته جيدة بشكل عام خلال معظم فترة بابويته، وتعافى جيداً من جراحة في الأمعاء عام 2021 لكن بعد عام حدت مشكلة مزمنة في الركبة من حركته، ولم يكن مهتماً مطلقاً بممارسة الرياضة وأدى اعتماده على الكرسي المتحرك والعكاز إلى زيادة ملحوظة في وزنه.

كان عجزه عن المساعدة في إنهاء الحرب في أوكرانيا خيبة أمل كبيرة، فمنذ الحرب الروسية في فبراير (شباط) 2022، ظل يدعو إلى السلام في كل ظهور علني تقريباً، بمعدل مرتين أسبوعياً على الأقل.

أدى الصراع إلى تدهور العلاقات بين الفاتيكان والكنيسة الأرثوذكسية الروسية إلى مستوى جديد في عام 2022 عندما قال فرنسيس إن البطريرك كيريل أسقف الكنيسة الروسية الأرثوذكسية الذي دعم الصراع، لا ينبغي أن يتصرف مثل “خادم مذبح بوتين”.

كما وجه نداءات متكررة للإفراج عن الرهائن الذين احتجزهم مسلحو حركة “حماس”، لكنه زاد من انتقاداته للحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة قبل اتفاق وقف إطلاق النار في يناير الماضي في الحرب التي اندلعت في أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

من الأرجنتين إلى الفاتيكان

ولد خورخي ماريو بيرجوليو في 17 ديسمبر (كانون الأول) 1936 لعائلة هاجرت من إيطاليا واستقرت في بوينس أيرس.

والتحق بمدرسة ثانوية فنية وعمل فنياً لفترة في مختبر للأغذية، وبعد أن قرر أن يصبح كاهناً درس في المعهد الإكليريكي ثم انضم إلى الرهبنة اليسوعية في 1958.

وفي الفترة نفسها تقريباً حينما كان في الـ 21 من عمره، أصيب بيرجوليو بالتهاب رئوي أدى إلى استئصال الجزء العلوي من إحدى رئتيه.

وفي أثناء دراسته واجه منعطفاً في رحلته عندما “أعجب” بشابة التقى بها في حفل زفاف عائلي. لكنه تمسك بخططه وبعد دراسات في الأرجنتين وإسبانيا وتشيلي أصبح كاهناً في 1969 وترقى سريعاً ليصبح الرئيس الأعلى للرهبانية اليسوعية في الأرجنتين.

وتزامن ذلك مع صعود الدكتاتورية العسكرية في الأرجنتين في الفترة بين 1967 إلى 1983، والتي شهدت اختطاف وقتل ما يصل إلى 30 ألف شخص كان يشتبه في انتمائهم إلى تيار اليسار.

ونفى الفاتيكان اتهامات بعض المنتقدين في الأرجنتين بأن فرنسيس التزم الصمت في أثناء انتهاكات لحقوق الإنسان أو أنه تقاعس عن حماية كاهنين حاولا مجابهة الدكتاتورية.

وبصفته رئيس أساقفة بوينس أيرس من 2001 إلى 2013 اصطدم البابا فرنسيس مراراً بالحكومة الأرجنتينية، مؤكداً على ضرورة إيلاء المزيد من الاهتمام للحاجات الاجتماعية.

احترام عالمي

تمتع فرنسيس باحترام كبير على الصعيد العالمي، سواء لدعواته إلى العدالة الاجتماعية أو لمبادراته السياسية التي لم تخل من المخاطرة، فقد قام بأكثر من 45 رحلة دولية، بما في ذلك أول زيارة يقوم بها بابا للعراق والإمارات وميانمار ومقدونيا الشمالية والبحرين ومنغوليا.

وأسهمت اتصالات سرية توسط فيها الفاتيكان عام 2014 في تقارب الولايات المتحدة وكوبا بعد عداوة استمرت لفترة طويلة.

وفي 2018، قاد الفاتيكان إلى إبرام اتفاق تاريخي بشأن تعيين أساقفة في الصين، وهو ما لاقى انتقادات من المنتمين للتيار المحافظ بوصفه تنازلاً من الكنيسة للحكومة الشيوعية في بكين.

وتعاون الفاتيكان والأمم المتحدة في عهده لعقد مؤتمرات دولية بشأن تغير المناخ، وأصدر في يونيو (حزيران) 2015 رسالة بابوية طالب فيها “بالتحرك الآن” لإنقاذ الكوكب.

وفي مقابلة مع “رويترز” عام 2018، أبدى استياءه حيال قرار الرئيس الأميركي وقتئذ دونالد ترمب الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ المبرمة في 2015 “لأن مستقبل البشرية على المحك”. وكانت هناك نقاط خلاف بين البابا وترامب بشأن كثير من القضايا، أغلبها قضايا تتعلق بالهجرة.

وكان فرنسيس يدافع خلال فترة ولايته عن حقوق اللاجئين وينتقد الدول التي تنبذ المهاجرين.

كما زار جزيرة ليسبوس اليونانية واصطحب 12 لاجئاً إلى إيطاليا على طائرته وطلب من مؤسسات كنسية العمل على وقف تهريب البشر وأنماط الاسترقاق الحديثة.

وأصدر توجيهات لذراع الأعمال الخيرية للبابوية بمساعدة المشردين في أحياء الفاتيكان، إذ وفرت لهم مأوى وأماكن للاستحمام وقص الشعر وزيارات أطباء متخصصين في أمراض القدم، كما أتاح للمشردين جولة خاصة في كنيسة سيستين وهي جزء من القصر البابوي.

وخلال رحلة إلى صقلية في 2018، ناشد “الإخوة والأخوات المنتمين للمافيا” التوبة، قائلاً إن الجزيرة بحاجة إلى “رجال ونساء يملأ الحب قلوبهم”.

وبعد موجة هجمات شنها متشددون إسلاميون في فرنسا في 2015 و2016، قتل خلالها كاهن مسن خلال قداس، دعا البابا جميع الأديان إلى وصف القتل باسم الرب بأنه عمل “شيطاني”.

التعليقات معطلة.