على المثقفين التنقيب والبحث لإبراز جل تراثنا الفكري وفحصه وتدبره
حكماً أصبح التّعويل على المثقفين- قبل العلماء- لمكافحة الفكر الظلامي، لأن مفهوم التطرف أضحى غامضاً بسبب التعقيدات السياسية والدينية، والحاجة إلى من يفك طلاسمه ويحلل خلفياته ومرجعياته، فالمهام منوطة حتماً بالمثقفين النبلاء قبل العلماء الأجلاء، فما زلنا نأمل بأن يفيق المثقفون العرب من الانكفاء على الذات أو تشبثهم بالمذهبية، أو خذلان بعضهم لأوطانهم، أو ارتهانهم لأجندات خارجية أو تحزبهم لجماعات بعينها، فالمثقف النزيه هو من تدوّي في ضميره كلمة الحق حتى تتلجلج في صدره لتظهر على هيئة خطوات عملية من الإصلاح، ورسم ملامح برنامج عمل لإحداث التغيير الإيجابي.
حينما انفصلت الثقافة عن الدين أصبحت مجتمعاتنا بيئة حاضنة للإرهاب، واستجابة لمصادر التهديد والمخاطر التي تحيق بأمتنا العربية، فإننا نناشد كل الكتل الحيوية والمثقفين والنخب والمؤسسات المدنية لتنفعل إلى مستوى حراك قومي يغير المشهد العام. لامجال للانزواء والانسحاب أو الوقوف مكتوفي الأيدي أو مصدومين مشدوهين حيال التحديات الأمنية والفكرية الحاصلة، وكأنه لا يسمع أجراس الإنذار للإرهاب التي تضرب بقوة بين وقت وآخر، وإلا كيف يصبح تلقينا للدين بدون ثقافة قائماً على السماحة والاعتدال ولا يتعارض مع قيم الأخلاق ومبادئ الإنسانية ولا ينافي الفطرة السليمة؟!
وثمة حاجة إلى الفعل الثقافي للقضاء على حزمة من الأفكار الهدامة، فإن رمزيتها الواضحة بأنها رسالة إلى الكتاب والأدباء والمثقفين العرب، لهذا تعتبر الأطروحات الثقافيه حلولاً بديلة لمكافحة الإرهاب، وقد أسس الاسلام عقلية الانفتاح عندما أمرهم أن يتعارفوا، وأن يسيروا في الأرض فينظروا، لأن احترام ثقافة التنوع هاجس أصيل لديننا، ودفع عجلة المشهد الثقافي لايتم إلا بوسيلة التواصل بين الحضارات.
التزمُّت في التدين جلب للأمة ثقافة منكفئة على نفسها، وإقصاء للحرية الفكرية المخالف إلى حد الاستئصال والاجتثاث ووأد المختلف، وجعل النقاء الثقافي شرطاً في التفاعل مع الآخر، مع أن الحضارة الإسلامية في فترات ازدهارها كانت على علاقات وثيقة بالثقافات الأخرى مثل اليونان والهند والصين.
مشكلاتنا الحاصلة ثقافية أكثر من كونها مشكلات دينية، وهناك حزمة من الأفكار الهدامة التي أسهمت في القضاء على التنوع في الموروث الثقافي للإسلام، تم إقصاء فقه المخالفين وتهميش آخرين، حيث أصبح في التراث الإسلامي جزء من التراث الفقهي من المسلمات المقدسة وآخر من مخالفيه مهمشاً، ما أدى إلى تجميد الكثير من الدرر والنفائس بدون أن يتم إبرازه والاستفادة منه فكرياً وعملياً.
الواجب على المثقفين التنقيب والبحث لإبراز جل تراثنا الفكري وفحصه وتدبره، ومحاسبة الفكر الظلامي ومواجهته من جراء تزييف ثقافتنا التراثية والفقهية، وحرمان الشباب وتضليلهم عن المفيد والنافع من الميراث المعرفي الذي تمت مصادرته وتهميشه واجتزاؤه، ولا بد من كبح جماح هذا الفكر، حماية للدولة أولاً، ولمواطنيها ثانياً.