لا ترفع ستائر الفرح.. فالعيون لا ترحم

2

محمود عبدالراضى

لا تُخبروا الناس بكل ما يسعدكم، لا تُذيعوا كل تفاصيل النِعَم التي تُضيء أيامكم، ولا تنشروا كل زوايا الفرح التي تسكن حياتكم، ليس كل من يسمع يُفرحُه ما تقول، ولا كل من يبتسم يُبارك ما لديك.

في هذا العالم، القلوب ليست سواء، بعضها يفرح لك كأن الفرح يُوزّع عليه، وبعضها يبتسم في وجهك بينما تنهشه الغيرة من الداخل، فيتحوّل قلبه إلى مرآة مشروخة، يرى فيها نعمتك كحظٍ مسروق من رصيده.

لا تصدقوا أن النية الطيبة قاعدة عامة، فالواقع غير ذلك، النية الطيبة عملة نادرة، والحسد متاح، سريع الانتشار، يُولد في العيون قبل أن يصل الأذى للألسنة، فكم من عينٍ لم تقل شيئًا، لكنها أفسدت كل شيء.

الحديث عن النِعَم لا يصيب الجميع بالفرح، بل يُشعل نيران المقارنة في نفوسٍ لم تتعلم الرضا، ويوقظ شياطين الغيرة في صدورٍ ضاقت بما لديها واتسعت على ما لدى غيرها، وقديمًا قالوا:
“كل ذي نعمة محسود”، لكنهم لم يقولوا لك أن الحسد أحيانًا يلبس ثوب المقرّب، ويُصافحك بكفّ التهنئة وفي قلبه خنجر السؤال: “لماذا هو وليس أنا؟”

احفظ فرحك كما تحفظ كنزًا، لا تفتحه أمام كل عابر، فليس كل من مرّ يستحق أن يرى الضوء، وليس كل من شاركك الطريق، يجب أن يرى وجهتك، هناك فرح لا يكتمل إلا حين يُعاش في هدوء، ويُحفظ كسرّ، لا كمنشور.

تحدّثوا عن النِعَم مع الله، لا مع الناس، اشكروها بصمت، واحتفلوا بها داخليًا، ولا تجعلوا فرحكم طُعْمًا في بحرٍ يعجّ بالصيادين الخطأ، فبعض الناس لا يملكون أعينًا تُعجب، بل أعينًا تُصيب.

وتذكّر دائمًا: ليس كتمان النِعمة خوفًا، بل حكمة، فكلّ جميل مكشوف مُعرض للعين، وكلّ فرحٍ مُعلن مُهدد بالاختبار، فاجعل فرحتك حصنًا لا نافذة، ومجدك غنيمة لا إعلانًا، ونجاحك صدى لا صوتًا يعلو فوق المدى.

حين تسأل نفسك: “لِمَ لا أُخبرهم؟”، تذكّر أن أجمل الأشياء تزدهر في الصمت، وتذبل حين تُعرض على مسرح العيون.

التعليقات معطلة.