حرب ستتوقف وستشتعل أخرى: الفاعل الدولي لا ينام إلا على وقع الحروب

10

 

حروب تتوقف، وأخرى تُشعل. العالم لا يعرف راحة؛ كلما خبت نار، أُوقدت أخرى. من أوكرانيا إلى كشمير، ومن إيران إلى الشرق الأوسط، الفاعل الدولي لا ينام إلا على وقع الحروب. نحن في مرحلة إعادة تشكيل النظام العالمي بالنار .
بينما تترنح الحرب الروسية الأوكرانية نحو نهاياتها المحتملة، يلوح في الأفق مشهد جديد يعيد التأكيد على حقيقة مرة: الفاعل الدولي لا يعيش إلا على صدى المدافع، ولا ينام إلا تحت ظلال الحروب.
بوادر نهاية حرب.. ومقدمات أخرى
التقارير القادمة من العواصم الكبرى تحمل إشارات متزايدة على أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا قد تقترب من التسوية، سواء عبر صفقة سياسية دولية أو فرض أمر واقع ميداني يُفضي إلى وقف إطلاق نار طويل الأمد. لم تعد أصوات الصراع في شرق أوروبا تُحدث الأثر المرجو نفسه على الأسواق أو على خرائط النفوذ، بل بات الاستنزاف عبئًا ثقيلًا حتى على كبار الفاعلين.
لكن، وكما هي طبيعة السياسة الدولية، فإن توقف حربٍ لا يعني عودة السلام، بل غالبًا ما يمهد الأرض لاشتعال حرب أخرى أكثر خطورة، وأكثر ارتباطًا بالمصالح الحيوية الكبرى.
الهند وباكستان: برميل بارود ينتظر شرارة
تتصاعد المؤشرات على أن جبهة جديدة قد تُفتح بين الهند وباكستان، الخصمين النوويين اللدودين. الأزمات المزمنة في كشمير، إلى جانب تصاعد النزعة القومية في الهند وتوترات المياه والحدود، تجعل من هذه الجبهة مرشحة للانفجار في أية لحظة. في ظل الانشغال العالمي بإعادة ترتيب مناطق النفوذ بعد الحرب الأوكرانية، تبدو الهند مدفوعة لتثبيت تفوقها الإقليمي، بينما تشعر باكستان بالضغط المتزايد داخليًا وخارجيًا، مما يجعل التصعيد العسكري خيارًا واردًا لإعادة ترتيب أوراق الداخل والخارج معًا.
ولعل الأخطر أن هذه الجبهة ـ إذا اشتعلت ـ لن تكون محلية محصورة، بل ستستدعي اهتمامًا دوليًا عالي الخطورة، نظرًا لأن الطرفين يمتلكان السلاح النووي.
إيران: شبح الحرب الأكبر
في موازاة ذلك، يزداد الحديث عن احتمالية المواجهة مع إيران، سواء عبر ضربات إسرائيلية مباشرة لمنشآتها النووية، أو عبر تصعيد أمريكي إقليمي شامل. الضغوط على طهران تتزايد، سواء بسبب برنامجها النووي أو بفعل تمدد أذرعها العسكرية في الشرق الأوسط. كما أن تعقيدات المشهد الدولي ـ لا سيما بعد تموضع إيران في تحالفات مع روسيا والصين ـ تعزز احتمالية تصعيد غربي ضدها، في إطار سعي القوى الكبرى لإعادة ضبط معادلات النفوذ قبل أن تتغير موازين القوى لصالح الشرق.
وفي ظل استمرار التصعيد في المنطقة، تبدو الحرب على إيران احتمالًا قابلًا للتبلور، سواء بشكل مباشر أو عبر سلسلة من المواجهات الإقليمية بالوكالة.
لماذا لا تهدأ الحروب؟
السؤال الجوهري هنا: لماذا لا ينتهي عهد الحروب؟ الإجابة ببساطة أن الحرب أداة مركزية في صنع النظام الدولي. حين تضعف الفاعلية الاقتصادية، وتُشل أدوات الدبلوماسية، تصبح الحرب وسيلة لإعادة توزيع القوة والثروة والنفوذ. الحرب ليست انحرافًا عن المسار السياسي الدولي، بل في كثير من الأحيان، هي جوهر هذا المسار.
فـ”الفاعل الدولي” لا يهدأ، ولا يُعيد تشكيل خرائط النفوذ إلا عبر الأزمات والصراعات. الحرب بالنسبة له ليست خيارًا اضطراريًا، بل وسيلة واعية لإعادة هندسة العالم وفق مصالحه الحيوية.
على أبواب مرحلة جديدة
نحن أمام لحظة حرجة في التاريخ العالمي. بينما تُطوى صفحات حرب كبرى، تُفتح ملفات أكثر حساسية، وأشد خطرًا. جبهة الهند وباكستان تهدد بزلزال إقليمي، وجبهة إيران قد تشعل نيرانًا تمتد من الخليج إلى المتوسط.
في هذه البيئة المتوترة، لا مكان للفراغ، ولا مجال للهدوء الطويل. فالحرب بالنسبة للفاعل الدولي، لم تكن يومًا نهايةً مأساوية، بل كانت دومًا بدايةً جديدة .

التعليقات معطلة.