في مشهد يعيد إلى الأذهان إنزال نورماندي الشهير عام 1944، تشهد السواحل اليمنية اليوم تحركات عسكرية بحرية وجوية تطرح تساؤلات مشروعة: هل تتهيأ الولايات المتحدة وبريطانيا لتنفيذ إنزال عسكري كبير على الأراضي اليمنية؟ أم أن الأمر لا يتجاوز رسائل ضغط عالية السقف؟
ضربات تمهيدية: المسرح يُمهّد
ما يغيب عن بعض التحليلات، أن الساحة اليمنية تشهد منذ أسابيع تصعيداً نوعيًا وغير مسبوق من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، تمثل في ضربات جوية مركزة ودقيقة استهدفت العمود الفقري للقدرات الحوثية. تم تدمير مقرات قيادة، مخازن صواريخ، منصات إطلاق، ومراكز تشغيل للطائرات المسيّرة، بالإضافة إلى استهداف ميناء الحديدة الحيوي، الذي أُخرج فعليًا من الخدمة.
هذا القصف المنسّق لا يمكن قراءته فقط كرسالة ردع، بل يحمل في طياته سمات واضحة لتهيئة “مسرح العمليات” لمرحلة لاحقة، قد تشمل عمليات إنزال بحري أو حتى جوي محدود، على غرار النماذج العسكرية الغربية في مناطق مثل العراق وأفغانستان وسوريا.
الساحل الغربي: النقطة الحرجة
الحديدة، المخا، ومضيق باب المندب هي مناطق شديدة الحساسية، ليس فقط على مستوى اليمن، بل على المستوى الإقليمي والدولي. السيطرة النارية على هذه المناطق خاصة بعد تحييد ميناء الحديدة تعني أن هناك فراغاً مؤقتاً يمكن ملؤه بعملية عسكرية مباشرة لفرض وقائع ميدانية جديدة، سواء عبر إنزال وحدات خاصة أو بإنشاء نقاط سيطرة بحرية وبرية مشتركة مع حلفاء محليين.
الحوثيون تحت الضغط… ولكن لم يُكسروا بعد
رغم الضربات القاسية، لا يزال الحوثيون يمتلكون قدرة على المناورة وشن هجمات عبر المسيّرات والصواريخ، بما في ذلك على سفن في البحر الأحمر. إلا أن تعمّد واشنطن ولندن استهداف البنية التحتية الهجومية للجماعة، يشير إلى أن الهدف ليس فقط الردع، بل حرمان الحوثيين من القدرة على الرد إذا تم تنفيذ إنزال ميداني.
مقارنة بنورماندي: تشابه في التخطيط، اختلاف في الأدوات
بينما كان إنزال نورماندي يجري على شواطئ مفتوحة في مواجهة جيش نظامي ألماني، فإن أي إنزال محتمل في اليمن سيواجه تكتيكات حروب غير نظامية، وزرع ألغام، وشبكات نارية متحركة. لذلك فإن السيناريو الأقرب هو عمليات “إنزال جوي محدود”، تستهدف مناطق استراتيجية كجزيرة كمران أو سواحل قريبة من باب المندب، بدعم استخباراتي واسع، وتنسيق ميداني مع أطراف يمنية مناوئة للحوثيين.
ساعة الحسم قد اقتربت
التحركات الجوية والبحرية، الضربات المسبقة، وتحييد البنى التحتية… كلها مؤشرات على اقتراب عمل عسكري مباشر. السؤال لم يعد “هل سيكون هناك إنزال؟” بل “متى؟ وكيف؟ وما هو الحد الأقصى الذي تسمح به التوازنات الإقليمية والدولية؟”
في عالم تعيد فيه القوى الكبرى صياغة قواعد الاشتباك، قد لا تكون السواحل اليمنية مسرحاً لإنزال نورماندي كلاسيكي، لكنها بالتأكيد تشهد مخاض عملية نوعية… قد تعيد رسم معالم السيطرة في البحر الأحمر، وربما في اليمن بأكمله.