عبدالناصر والقذافي.. ما الجديد؟

2

حلمي النمنم

 

تسيطر على بعض المنصات الإعلامية رغبة فى إثارة الجاذبية والتشويق لدى المتلقى باستعمال كلمات مثيرة، محادثة بين الرئيس جمال عبدالناصر والعقيد القذافى فى أغسطس سنة 1970، متاحة لدى مكتبة الإسكندرية، يتم اقتطاع جزء منه ويقال «الشريط المسرب».. «اكتشاف» حتى قبل أن تصل هذه المواد إلى المكتبة فإن الأسرة، تحديدا الأستاذة الدكتورة هدى جمال عبدالناصر، لم تحجب عن باحث أو مهتم المواد التى لديها عن والدها الزعيم الراحل.

 

وبعيدا عن هذا التسجيل المتاح منذ سنوات فإن مضمونه ليس سرًا، عبدالناصر قبل مبادرة روجرز علنا، صيف سنة 70 وهو فى موسكو ولما عاد إلى القاهرة وجد نائبه محمد أنور السادات عقد اجتماعا مع قادة الاتحاد الاشتراكى العربى وقرروا رفض المبادرة، لكن ناصر شرح للسادات أسباب قبوله للمبادرة، وبسبب ذلك هوجم عبدالناصر بضراوة من المنظمات الفلسطينية، حتى منها التى كانت القاهرة تستضيفها، وتم تحريك مظاهرات فى بعض العواصم العربية (التقدمية) للتنديد بعبدالناصر ولم تتوقف الحملات عليه إلا بسبب أحداث «أيلول الأسود» فى الأردن بين القوات الفلسطينية والحكومة الأردنية.

مبادرة روجرز تحدثت عن وقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل لمدة تسعين يومًا على أن تبدأ بعدها مباحثات لتطبيق القرار 242، الصادر عن مجلس الأمن.

عبدالناصر فى كل خطبة كان يتحدث عن إزالة آثار العدوان، أى تحرير الأراضى التى احتلت فى حرب يونيو وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 67. هل المبادرة العربية فى قمة بيروت خرجت عن ذلك المطلب، أليس ذلك هو المطلب العربى اليوم، إقامة دولة فلسطينية وتحرير الجولان، ومن يراجع خطاب السادات فى الكنيست الإسرائيلى سنة 77، يجد المطلب نفسه.

باختصار كافة المعلومات متاحة ومتوافرة، يكفى مراجعة بيان 30 مارس سنة 68، وهو مطبوع، فضلًا عن أنه متاح بصوت الرئيس وفى التقديم يتحدث عبدالناصر بصوته عن إعادة بناء القوات المسلحة وأهمية القوة «سواء قبلنا بطريق الشغل السياسى وسرنا فيه لمداه» ثم يقول: «ولقد أبدينا استعدادنا- ولانزال- للعمل السياسى عن طريق الأمم المتحدة أو غيره من الطرق»، خطب الرئيس عبدالناصر متاحة بصوته ومطبوعة أيضا، المعلومات موجودة، ليست محظورة، محاضر الاجتماعات السرية بين عبدالناصر والقادة السوفييت بعد 67 وحتى سنة 70، متاحة فى النسخة المصرية والنسخة الروسية وهى مترجمة بالعربية وفيها الكثير من التفاصيل، مذكرات محمد فائق بها ما دار بين ناصر وشو آين لاى، حول تجربة البلدين ويتحدث ناصر بشجاعة حقيقية عن الأزمات التى واجهت ثورته وعطلتها، لكن بعضنا يفضلون تجنب البحث، لذا يصيبهم الاندهاش مع كل «تسريب» ويصدقون الأمر.

المشكلة ليست فقط فى التكاسل عن الوصول إلى المعلومات والمصادر المتوفرة، بل فى كثير من المعارك الكلامية التى تنشب فى غياب المعلومات فتتحول إلى خصومات وتصفية حسابات لا تنتهى.

لقد تعرض عبدالناصر لحملات كثيرة وناله هجوم مكثف، كان بذيئا فى بعض الحالات، ورغم كل ذلك فإن أشجع وأقوى وأعمق نقد للتجربة الناصرية ظهر حتى يومنا هذا قدمه وقاله عبدالناصر نفسه، هو صاحب التحذير من أولئك الذين أطلق عليهم «مراكز القوى»، ثم تلقف البعض هذا المصطلح وتبنوه للهجوم عليه.

حين نراجع الآن هذه المعارك نكتشف أن كثيرا منها كانت بمثابة أوراق اعتماد لدى بعض الجهات والأجهزة «المانحة» حول العالم وفى المنطقة، وبعضها صدرت من أفراد لولا سياسة عبدالناصر ما ارتقوا اجتماعيًا وسياسيا، هؤلاء كانوا يشعرون بدين ثقيل تجاهه وحاولوا التخلص من ذلك الدين بلعن صاحبه وحتى يتحركوا فى الأوساط الاجتماعية الجديدة باعتبارهم من أبناء الحسب والنسب وليسوا أبناء الفدادين الخمسة ومجانية التعليم.

فى مقال سابق فى هذه الصفحة قلت إن معظم المعارك الكلامية حول عبدالناصر والسادات كانت تتعلق بأمور تخص أطرافها فقط ولا شأن لأى من الرئيسين بها.

ذروة النضج السياسى لدى عبدالناصر تجلى بعد هزيمة يونيو 67، حتى اليوم يتوقف البعض عند كلمة «نكسة» ويزعمون أنها كانت تهربا من استعمال كلمة هزيمة، لكن عبدالناصر وصف ما جرى بأنه هزيمة فى أول خطاب عام له بعد انتهاء الحرب، تحديدا خطابه فى ذكرى ثورة يوليو سنة 67.

اكتشف عبدالناصر متأخرا أنه تم التغرير به من أقرب المعاونين له ومن البعث السورى بحكاية الحشود الإسرائيلية أمام سوريا ولما ذهب الفريق فوزى إلى سوريا خلص إلى أن البعثيين يهولون ويبالغون.

وكانت أمامه فرصة للإفلات يوم 2 يوليو سنة 67 وقبل بها واستشار أحد قادة سوريا، كان فى القاهرة يومها، فحذره وكانت القاصمة.

الفرصة قدمها الاتحاد السوفيتى بدعوة عبدالناصر لزيارة سرية ودعوة رئيس الوزراء الإسرائيلى ويتولى القادة السوفييت حل المشكلة بينهما لتجنب القتال.

وافق رئيس الوزراء الإسرائيلى، وشعرت إسرائيل بالقلق على خطة الحرب التى كانت اكتملت لديها، لكن ناصر تراجع فى اللحظة الأخيرة بسبب النصيحة البعثية، تنفست إسرائيل الصعداء، الواقعة ذكرها بريماكوف فى مذكراته، كان وقتها رجل المخابرات السوفيتية بالسفارة فى القاهرة، كما ذكرها السفير السوفيتى وقتها فى إسرائيل.

بعد الهزيمة وقفت نظم «الرجعية العربية» إلى جواره ودعمته، بينما ناوأه «التقدميون»، فى العديد من محاضر الاجتماعات نسمع شكاوى مريرة على لسانه من بعضهم.

التعليقات معطلة.