حرية الصحافة تهبط لأدنى مستوى في عهد ترامب.. والصعوبات الاقتصادية تهدد وسائل الإعلام

1

فريق راديو صوت العرب من أمريكا
أصدرت منظمة “مراسلون بلا حدود” المؤشر السنوي لحرية الصحافة العالمي لعام 2025. وأظهرت النتائج أن المؤشر الاقتصادي في مؤشر حرية الصحافة العالمي للمنظمة وصل إلى أدنى مستوياته على الإطلاق.
ونتيجةً لذلك، يُصنّف وضع حرية الصحافة العالمي الآن على أنه “وضع صعب” لأول مرة في تاريخ المؤشر.
تحدي اقتصادي
وأكدت البيانات التي جمعتها المنظمة في 160 دولة من أصل 180 دولة تم تقييمها، أن وسائل الإعلام فيها تحقق الاستقرار المالي “بصعوبة” أو “لا تحققه على الإطلاق”.
والأسوأ من ذلك، أن وسائل الإعلام تُغلق أبوابها بسبب الصعوبات الاقتصادية فيما يقرب من ثلث دول العالم، وهذا هو الحال في الولايات المتحدة، وتونس، والأرجنتين.
وقالت المنظمة في تقرير لها إنه رغم أن الاعتداءات الجسدية على الصحفيين تُعدّ أبرز انتهاكات حرية الصحافة، إلا أن الضغوط الاقتصادية تشكل مشكلةً رئيسيةً وأكثر خطورة، وتمثل عائقاً مهولاً أمام ممارسة العمل الإعلامي.
وأوضحت أن بينما تشهد حرية الصحافة تراجعاً مقلقاً في العديد من أرجاء العالم، بات الضغط الاقتصادي يُعد من العوامل الرئيسية التي تساهم في تعميق هشاشة وسائل الإعلام، علماً أنه غالباً ما يُستهان بهذا العامل المؤثر، الذي يتخذ أشكالاً متعددة، منها تمركز مِلكية وسائل الإعلام، والضغط من المعلنين أو الممولين، ناهيك عن غياب مساعدات الدولة أو تقييدها أو تخصيصها بناءً على آليات غير شفافة.
وفي ضوء البيانات يتضح بجلاء أن وسائل الإعلام أصبحت عالقة بين محاولة ضمان استقلاليتها والسعي إلى الحفاظ على استمراريتها الاقتصادية.
ويشير التقرير أيضًا إلى عوامل غير حكومية باعتبارها تهديدات لتمويل الصحافة، مثل هيمنة منصات الإنترنت الرئيسية على اقتصاد الإعلان. وأدت هذه القيود إلى توحيد وسائل الإعلام على مستوى العالم بشكل قياسي، الأمر الذي أدى إلى تركيز ملكية وسائل الإعلام بشكل كبير أو سيطرتها عليها من قبل الدولة.
ويتعرّض اقتصاد هذا القطاع عموما “للتقويض” من قبل شركات “غافام” (GAFAM/غوغل وآبل وفيس بوك وأمازون ومايكروسوفت)، التي تستحوذ منصّاتها “غير الخاضعة لضوابط إلى حد كبير، على حصّة متزايدة من عائدات الإعلانات”، بينما تساهم في “انتشار محتويات مضلّلة أو متلاعب بها”.
تدهور خطير في أمريكا
يظهر التقرير السنوي الذي تعده منظمة “مراسلون بلا حدود” تدهوراً خطيراً في التصنيف العالمي لحرية الصحافة حول العالم، وبصفة خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وقال التقرير إن حرية الصحافة في أمريكا وصلت إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق، في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب.
ووفقا لموقع “أكسيوس“، فقد كانت حرية الصحافة الأمريكية لسنوات عديدة تعتبر مُرضية عمومًا وفقًا لمعايير منظمة مراسلون بلا حدود. لكن اعتبارًا من العام الماضي، أصبحت هناك إشكالية كبيرة، وأصبحت حرية الصحافة في أمريكا الآن على قدم المساواة مع الدول النامية، مثل جامبيا وأوروجواي وسيراليون.
وتشير منظمة مراسلون بلا حدود إلى الضغوط الاقتصادية على وسائل الإعلام باعتبارها المحرك الأكبر لتراجع الحريات الصحفية على مستوى العالم، مشيرة إلى أن هذا يحدث بشكل خاص في الدول الاستبدادية، مثل نيكاراجوا وبيلاروسيا وإيران، فضلاً عن الديمقراطيات غير المستقرة مثل المجر.
وقالت إن الضغط الاقتصادي يرتبط بشكل متزايد بجهود الحكومة لتقويض المنافذ الإعلامية الهامة أو المستقلة مالياً، مشيرة في هذا الإطار إلى جهود إدارة ترامب لخفض التمويل لمحطات البث العامة، مثل صوت أمريكا وإذاعة أوروبا الحرة/إذاعة الحرية.
وفيما تصدرت النرويج التصنيف للعام التاسع على التوالي، تراجعت الولايات المتحدة مرتبتين وباتت تحتل المرتبة السابعة والخمسين وراء سيراليون.
وأكدت المديرة التحريرية للمنظمة، آن بوكاندي، أن “الوضع لم يكن مدعاة للافتخار أصلا” في البلاد التي تراجعت 10 مراتب في العام 2024. إلا أنه تدهور منذ تنصيب دونالد ترامب رئيسا بسبب “هجماته اليومية” على الصحافة.
وأشارت المنظمة أيضا إلى أن “إدارة ترامب سيّست المؤسسات وخفضت الدعم لوسائل الإعلام المستقلة وهمشت الصحافيين” الذين باتوا يتعرضون “لعدائية متنامية” فيما “تنهار الثقة بوسائل الاعلام”.
وفي وقت سابق هذا الأسبوع، كانت لجنة حماية الصحافيين رأت في تقرير عن الأيام المئة الأولى من ولاية ترامب الثانية، أن “حرية الصحافة لم تعد حقا مكتسبا في الولايات المتحدة”.
وشرع ترامب بتفكيك وسائل الإعلام العامة الأمريكية في الخارج، مثل “فويس أوف أميركا” (Voice of America)، ما أدى إلى حرمان “أكثر من 400 مليون شخص” من “الوصول إلى معلومات موثوقة” وفقا للمنظمة غير الحكومية.
وأضاف التقرير أن “تجميد أموال المساعدات الدولية “من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (يو أس إيد) “أغرق مئات وسائل الإعلام في عدم استقرار اقتصادي حرج” وأضطر البعض “إلى الإغلاق ولا سيما في أوكرانيا” التي حلّت في المرتبة الـ62 متراجعة مرتبة واحدة.
في ظل هذه الظروف، بدأت تتشكّل “صحارى معلومات شاسعة” في الولايات المتحدة، في ظل اختفاء الكثير من وسائل الإعلام المحلية التي تواجه صعوبات مالية.
الدول العربية
وأكد تقرير مراسلون بلا حدود أن أكثر من نصف سكان العالم يعيشون الآن في بلدان تنعدم فيها حرية الصحافة تمامًا وتعتبر ممارسة الصحافة أمرًا خطيرًا، وفقًا للمؤشر.
وتصنف الآن دول مثل الصين وأوغندا وإثيوبيا على أنها “خطيرة للغاية” من حيث التهديدات التي تواجه حرية الصحافة.
وجاءت مناطق وبلدان الشرق الأوسط، لا سيما البلدان العربية، في ذيل قائمة حرية الإعلام، حيث تعتبر ممارسة المهنة “عملاً خطراً”.
وباتت مهنة الصحافة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عالقة بين مطرقة قمع الأنظمة الاستبدادية وسندان عدم الاستقرار الاقتصادي المستمر، كما جاء في التقرير.
ووفقًا لشبكة CNN فقد وصف التقرير الوضع في الأراضي الفلسطينية (المرتبة 163) بانه كارثي. ففي غزة، دمر الجيش الإسرائيلي غرف الأخبار، وقتل ما يقرب من 200 صحفي، وفرض حصارًا كاملاً على القطاع لأكثر من 18 شهرًا.
وتبرز 34 دولة بسبب الإغلاقات الجماعية لوسائل الإعلام، مما أدى إلى نفي الصحفيين في السنوات الأخيرة، ويتجلى هذا بشكل خاص في نيكاراغوا (المرتبة 172) وبيلاروسيا (المرتبة 166)، وإيران (المرتبة 176)، وميانمار (المرتبة 169)، والسودان (المرتبة 156)، وأذربيجان (المرتبة 167)، وأفغانستان (المرتبة 175)، حيث تُفاقم الصعوبات الاقتصادية آثار الضغوط السياسية.
لا تزال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأكثر خطورة في العالم على الصحفيين، حيث تشهد الدمار الشامل الذي لحق بالصحافة في غزة على يد الجيش الإسرائيلي، وعربيا تعاني جميع دول المنطقة من وضع “صعب” أو “خطير للغاية” فيما يتعلق بحرية الصحافة، باستثناء موريتانيا، جزر القمر، وقطر في حالة إشكالية.
وسجلت تونس (المرتبة 129، بتراجع 11 مركزًا)، الدولة الوحيدة في شمال أفريقيا التي تراجعت هذا العام، أكبر انخفاض في المؤشر الاقتصادي للمنطقة، بسبب أزمة سياسية تتعرض فيها وسائل الإعلام المستقلة لتهديد مباشر، إلى جانب سوريا (المرتبة 177)، التي لا تزال تنتظر تحولًا جذريًا في مشهدها الإعلامي بعد رحيل بشار الأسد.
ناقوس خطر
ووفقًا لموقع france24 فقد شددت منظمة مراسلون بلا حدود على أنه، حتى في البلدان “التي تتمتع بتصنيف جيد” مثل فنلندا (المرتبة الخامسة) أو أستراليا (المرتبة 29 متقدمة عشر مراتب)، فإنّ تركز وسائل الإعلام ضمن مجموعات محددة يشكل “تهديدا للتعددية” و”يستدعي الحذر”.
أما في فرنسا (المرتبة 25 متراجعة أربع مراتب)، فإنّ “جزءا مهما من الصحافة الوطنية يخضع لسيطرة عدد قليل من الثروات الكبيرة”، وفقا لمراسلون بلا حدود، التي تتساءل عن “الاستقلال الحقيقي لهيئات التحرير”.
واعتبرت المنظمة حرية الصحافة بأنّها في وضع “خطر للغاية” في 42 دولة، سبعة منها أُدرجت أخيرا في هذه الفئة (الأردن، هونغ كونغ، أوغندا، إثيوبيا، رواندا، قيرغيزستان وكازاخستان). فيما تبقى إريتريا في المرتبة الأخيرة بعد كوريا الشمالية والصين.
ويذكر أن منظمة مراسلون بلا حدود قامت بإعداد هذا التصنيف استنادا إلى “مسح كمّي للانتهاكات المرتكبة ضد الصحافيين” و”دراسة نوعية” أجراها خبراء.

التعليقات معطلة.