الشرق الأوسط: الأيادي على الزناد… متى تُضغط الأزرار؟

23

 

 

في لحظة مفصلية من تاريخ الشرق الأوسط، بات المشهد الإقليمي محكوماً بقواعد اشتباك جديدة، تتداخل فيها المصالح الدولية مع صعود غير مسبوق للتوتر العسكري. المنطقة بأكملها اليوم تقف على حافة هاوية، و”الأزرار” النووية والميدانية تبدو أقرب إلى الأصابع من أي وقت مضى.

الولايات المتحدة، تحت قيادة دونالد ترامب لا تُخفي نيتها إعادة رسم قواعد الردع مع إيران. بينما تراكم واشنطن وحلفاؤها الغربيون قواتهم في الخليج والبحر الأحمر وشرق المتوسط، تُراقب إسرائيل المشهد بتربص، مستعدة لتنفيذ ضربة استباقية ساحقة بمجرد أن تحين اللحظة المناسبة.

في المقابل، تسعى طهران جاهدة لتفادي مواجهة مباشرة، مدركة أن أي ضربة كبرى ستُفقدها ليس فقط توازنها الداخلي، بل ستُضعف شبكة الفصائل المتحالفة معها، التي تُظهر هذه المرة إشارات لتراجع الحماسة أو حتى التخلي عنها إذا ما اندلعت الحرب الكبرى.

وسط هذا المشهد، يُلاحظ ميل واضح داخل العراق، وخصوصاً بين النخب والشعب، نحو فك الارتباط مع مشاريع الخارج، والتهيؤ لمرحلة ما بعد الصدمة. مشروع وطني عراقي متجانس لا يزال قيد التشكّل، لكن الأرضية الشعبية باتت مهيأة أكثر من أي وقت مضى، لاسيما بعد أن انكشفت هشاشة الجماعات المسلحة وفقدانها للشرعية في نظر الشارع.

 التوتر الهندي – الباكستاني… تهديد صامت للشرق الأوسط؟

في زحمة التصعيد الأميركي–الإيراني، والترقب الإسرائيلي، والقلق الإقليمي، يظهر في الأفق توترٌ آخر لا يقل خطورة: المواجهة المتجددة بين الهند وباكستان. ورغم أن هذا الصراع يبدو جغرافيًا بعيدًا عن الشرق الأوسط، إلا أن تداعياته السياسية والعسكرية قد تترك بصماتها العميقة على المشهد الإقليمي.

الهند وباكستان، دولتان نوويتان، تعيشان على خط تماس دائم، وتاريخٌ من الحروب والمناوشات في كشمير. التوتر الأخير بين الجانبين، وسط تحركات عسكرية واستنفارات على الحدود، يرفع منسوب القلق عالميًا، ويدفع بقوى كبرى مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة لإعادة توزيع تركيزها ومواردها، ما ينعكس بشكل مباشر على ملفات كبرى، منها الملف الإيراني.

أين يرتبط الشرق الأوسط بهذا التصعيد؟

تشتيت الانتباه الدولي: انشغال القوى الكبرى بتطورات جنوب آسيا يعني تراجع التركيز على الشرق الأوسط، ما قد يمنح أطرافًا كإيران فرصة للمناورة، أو العكس، قد يدفع الولايات المتحدة للتعجيل بحسم الملفات العالقة قبل أن تتوسع ساحة الاشتباك عالميًا.

التحالفات المتقاطعة: بعض دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، لها علاقات استراتيجية مع الهند، بينما تحافظ دول أخرى على علاقات مع باكستان. أي تصعيد عسكري بين الطرفين قد يُربك الموازنة الخليجية ويزيد من تعقيد الاصطفافات في المنطقة.

انعكاسات اقتصادية: الخليج يعتمد جزئيًا على اليد العاملة من الهند وباكستان، وأي حرب ستسبب ارتباكًا اقتصاديًا واجتماعيًا في دول الخليج، بما فيها اضطرابات في سوق النفط والتمويلات الدولية المرتبطة بالمنطقة.

البعد الإسلامي: الصراع الهندي–الباكستاني يأخذ بُعدًا دينيًا حساسًا، خاصة مع تصاعد الخطاب القومي الهندوسي، ما قد يُحرّك تيارات شعبية ودينية في الشرق الأوسط نحو التصعيد، أو استغلال القضية من قبل أطراف متطرفة لتوسيع نفوذها.

الشرق الأوسط لا يعيش في عزلة عن العالم، بل هو نقطة التقاء لمصالح القوى الكبرى. وأي تصعيد بين الهند وباكستان لا يمكن اعتباره حدثًا معزولًا، بل هو صوت إنذار إضافي لما يمكن أن يكون موجة جديدة من إعادة رسم خرائط النفوذ في العالم، بما فيها الشرق الأوسط.

إن اشتعال جبهة جنوب آسيا قد يكون الشرارة التي تسرّع الضغط على أزرار الشرق الأوسط، سواء من واشنطن أو تل أبيب أو حتى طهران التي ترى في التوترات الدولية متنفسًا أو تهديدًا إضافيًا.

كل ذلك يجعل السؤال عن لحظة الضغط على الزناد في الشرق الأوسط، ليس مجرد توقع… بل حتمية تنتظر التوقيت فقط.

التعليقات معطلة.