الفنون دواء

1

أ.د. محمد الدعمي

عِندَما يمرض المرء، فإنَّه يذهب إلى الطَّبيب، متوقعًا إعطاءه «وصفة علاجيَّة»، مكوَّنة من بعض الأدوية، كالحبوب أو الكبسولات أو الشَّراب لمعالجة ما يعتوره ذلك المريض من أمراض. بَيْدَ أنَّ المرء لَيشعُر بالاستغراب وبشيء من الاستفزاز إذا ما كتَب الطَّبيب له وصفة غريبة، من نَوع: الاستماع لمعزوفات بتهوفن، أو الرَّقص على ألحان موسيقى الجاز !

هذه حال تستدعي العجب والتَّندُّر، أحيانًا، لأنك يُمكِن أن تعتقدَ بأنَّ ذلك الطَّبيب إنَّما يستغفلك أو يضحك عَلَيْك؛ لأنَّه لم يحقنك بإبرة دوائيَّة! أمَّا آخر المستجدَّات العلميَّة الَّتي فاجأتِ الجمهور الأميركي هذه الأيَّام، فمفادها هو أنَّ الفنون يُمكِن أن تدخلَ دواءً في علاج أخطر الأمراض، ومِنْها أمراض القلب والجهاز التَّنفُّسي والأعصاب، من بَيْنِ سواها من تلك الأمراض الَّتي طالَما اشتكينا مِنْها منذُ شبَبْنا

حتَّى شِبْنا، كالبرد والإنفلونزا، من بَيْنِ سواها! لذا ذكَّرتني هذه الخلاصات العصيَّة على التَّصديق بما كان ينشده المطرب الرِّيفي العراقي الرَّاحل، داخل حسن، عِندَما كان يُغرِّد: «يا طبيب، صواب دلاّلي كلف.. لا تلكمه بحطة السماعة.. بعد دقَّات القلب ما تنعرف.. تنقطع ما بَيْنَ ساعة وساعة!»

والحقُّ، فإنَّ الخلاصات العلميَّة الَّتي تتوصَّل إِلَيْها الجامعات الأميركيَّة تلقى صداها عَبْرَ النِّصف المعاكس من الكُرَة الأرضيَّة عِندَنا، حيثُ تعمل الفنون (كالرَّسم والرَّقص والغناء والنَّحت والآداب على أشكالها) أدوارًا مباشرة وفعَّالة في معالجة أمراض الإنسان، وذلك عَبْرَ دفقات الانتشاء واللّذة الَّتي تطرأ على المريض عِندَما يتمتَّع ويستجيب للأعمال الفنيَّة وجدانيًّا!

وإذا لم يكُنْ من الممكن لطبيبٍ لبيبٍ أن يكتبَ للمرء وصفةً، مفادها الاستماع إلى أغانٍ لأُمِّ كلثوم أو لعبد الوهَّاب وعبد الحليم حافظ، فإنَّ للمرء أن يتذكرَ دائمًا بأنَّه هو شخصيًّا طبيب نَفْسه؛ لأنَّ الطَّبيب في عيادته يتحرج من أن يكتبَ للمريض وصفةً مفادها «ارقص مع راقصات بحيرة البجع» كَيْ تُشفى بأدوية الفنون!

أ.د. محمد الدعمي

كاتب وباحث أكاديمي عراقي

التعليقات معطلة.