في خضم اشتعال الأزمات على امتداد الخريطة الدولية، جاء اندلاع الحرب بين الهند وباكستان ليضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى المشهد الجيوسياسي العالمي. ومع اشتداد الأزمة بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، يطرح المراقبون تساؤلات مشروعة: كيف سينعكس الصراع في جنوب آسيا على ديناميكيات المواجهة المتصاعدة في الشرق الأوسط؟ وهل يمنح هذا الانفجار العسكري إيران فرصة لإعادة التموضع إقليمياً ودولياً؟
تحوّل في بوصلة الانتباه الدولي أولى التداعيات التي تفرض نفسها هي انشغال الولايات المتحدة والدول الغربية بأزمة نووية محتملة بين قوتين تمتلكان السلاح النووي. هذا الانشغال قد يؤدي إلى تراجع مؤقت في التركيز على الضغط العسكري والسياسي على إيران، ويمنح طهران مساحة أوسع للمناورة، سواء في برنامجها النووي أو في تحركاتها الإقليمية.
نافذة للتحرك الإيراني شرقاً في ظل انشغال الغرب، قد تسعى إيران إلى تعزيز شراكاتها مع كل من الصين وباكستان، في محاولة لبناء تكتل إقليمي يُخفف من وطأة العزلة التي تحاول واشنطن فرضها. وقد لا تمانع طهران الدخول في تفاهمات محدودة مع إسلام آباد، خاصة لحماية حدودها الشرقية واحتواء أي تداعيات محتملة للحرب.
إسرائيل: التهديدات تتعدد والغطاء يتراجع
بالنسبة لتل أبيب، فإن انشغال واشنطن بجبهة أخرى يقلّص من التنسيق الاستراتيجي الضروري لأي مواجهة مع إيران. كما أن هذا الوضع يفتح المجال أمام أذرع إيران، كحزب الله والحوثيين، لاستغلال لحظة “الفراغ الاستراتيجي” وتوسيع دوائر التهديد.
التقارب الباكستاني-الإيراني: مصالح فوق الخلافات
في حال استمرار الحرب، قد تجد باكستان نفسها مضطرة لتنسيق أمني مع إيران على أقل تقدير. مثل هذا التقارب—حتى لو كان مؤقتاً—قد يُقلق الولايات المتحدة وإسرائيل، خصوصاً إذا ما تطور إلى تعاون اقتصادي أو عسكري أوسع.
إعادة اصطفاف محتملة في النظام الدولي
الحرب بين نيودلهي وإسلام آباد، إذا طال أمدها، قد تُسرّع من إعادة تشكيل ميزان القوى العالمي. وفي مثل هذا السياق، تصبح الدول الإقليمية، كإيران، لاعبين يصعب تجاهلهم، لا بسبب قوتهم الذاتية، بل لكونهم جزءاً من فوضى لا يمكن السيطرة عليها دون إشراكهم.
مكاسب آنية وخسائر بعيدة المدى
قد تستفيد إيران على المدى القصير من تراجع الضغط الغربي وانشغال القوى الكبرى بجبهات أخرى، إلا أن تصاعد التوترات الدولية سيؤدي إلى مزيد من التصلب في المواقف، ويقلل من فرص الحلول الدبلوماسية. كما أن تفاقم الأزمات قد يؤدي إلى ردود فعل غير محسوبة في منطقة تشتعل أصلاً على أكثر من جبهة.
بالنهاية، الحرب الهندية-الباكستانية، وإن بدت بعيدة جغرافياً، تُشكّل عنصراً مؤثراً في معادلة الشرق الأوسط المتشابكة، وتعيد ترتيب الأولويات الدولية بطريقة قد لا تكون في صالح استقرار المنطقة .