زيارة ترامب.. والدّور الخليجي  

8

خالد عمر بن ققه

لا يمكن الفصل بين الاقتصاد ومُجْمل القضايا الأخرى في المنطقة

“ما الّذي يريده الرئيس الأمريكي” دونالد ترامب من زيارته إلى كلٍّ من  السعودية، وقطر، والإمارات؟.. سؤال تردّد كثيراً قبل الزيارة وخلالها، وربما يستمر بعدها لفترة قد تطول، وهو بلا شك سؤال أساسي وجوهري، غير أنه شغل حيزاً على حساب سؤال آخر، هو ما الذي “تريده الدول الثلاث من الإدارة الأمريكية الحالية؟”، وتبعاً لذلك ما تأثير ذلك على المنطقة والدول العربية الأخرى؟
قد لا تكون هناك إجابة واضحة لدى المحللين، رغم محاولاتهم القائمة على تجميع معلومات من هنا وهناك، لكنها هي محددة لدى قادة الدول ومتفق عليها سلفاً، منها ما هو خاص بمصالح كل دولة، ومنها ما يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث، ومنها ما يصبًّ في خانة الدفاع عن مصالح المنطقة والإقليم، مع مراعاة عدم تضارب أو تناقض تلك الأهداف التي تحققها الدول الثلاث مع مصالح القوى الكبرى في المنطقة، وخاصَّة الصين وروسيا.
عمليّاً، قد لا يكون الحديث إعلاميّاً عن مكاسب الطرفين الأمريكي والخليجي من هذه الزيارة أولويّة في الوقت الرّاهن، لأنَّ المصالح هي التي تحرك قادة الدول، أي أنها ضرورة وحتمية، إنما الذي علينا التركيز عليه، هو اسهام الدول الخليجية الثلاث في صناعة القرار السياسي من جهة، وتحديد مسارات الفعل التاريخي من جهة أخرى، وهذا يعود إلى ثِقل منطقة الخليج اقتصاديّاً وسياسياًّ على ضوء نفوذها المتنامي، إقليميّاً وعالمياً، وقدرة دولها على ضخ استثمارات ضخمة، ناهيك عن موقعها الاستراتيجي.
الحال تلك، جعلتْها قادرة على المواجهة، ومحافظة على استقرار دُولها أوّلاً، والمنطقة ثانياً، رغم الحروب التي تشهدها، ومتفاعلة مع الأحداث الإقليمية والدولية ثالثاً، إضافة إلى أنها شريك دائم يرقى إلى مستوى الحليف، وهذا يظهر في أدوارها الفاعلة التي عجزت عن القيام بها دول كبيرة في المنطقة، باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية.
ما كان للرئيس الأمريكي، الذي يميل ميلاً عظيماً إلى عالم الاقتصاد والتجارة عند اتّخاذ قراراته ــ أن يختار السعودية وقطر والإمارات الوجهة الأولى في ولاية رئاسته الثانية لولا ادراكه العميق لمكانة الدول الثلاث، ودورها السياسي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، إضافة إلى نشاطها المحلي في مجالات التنمية والتعليم ومجالات الابتكار، وهذا يبدو جليّاً في خططها واستراتيجياتها.
في هذا السياق، علينا قراءة ـ أو بالأحرى إعادة النظر ـ في تصريحات الرئيس دونالد ترامب التي أعلنها بشأن زيارته هذه ـ والتي أعلنها في مارس (آذار) الماضي ـ حين ذكر أن اختياره جاء بعد وعود بصفقات بمئات المليارات من الدولارات، والتي على أساسها أعطى أولوية لزيارة الخليج بهدف إتمام صفقات تجارية مع الدول الخليجية الثرية، ستستفيد منها الشركات الأمريكية، ليس لأنها غير صحيحة، وإنما لأن تلك الصفقات ليست بمعزل عن الاتفاقات الأمنية والعسكرية والسياسية.
من ناحية أخرى، لا يمكن الفصل بين الاقتصاد ومُجْمل القضايا الأخرى في المنطقة، والدليل أن استثمارات الدول الخليجية واحتياطاتها النقديَّة وصناديقها السيادية تساعدها اليوم على لعب دور كبير في الاقتصاد العالمي، إضافة إلى أنها منطقة جاذبة وواعدة في كل المجالات، ومُصدِّرة لعوامل النجاح لعدة دول أخرى، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في مجال المال والاستثمارات.
لاشك أن الرئيس دونالد ترامب يسعى لتحقيق مكاسب آنية من جولته الخليجية على خلفية حربه التجارية ضد الصين ودول أخرى، والعمل على إتمام صفقات تُسهم في انقاذ الاقتصاد الأمريكي عبر صفقات تتدفق على بلاده تكون دليلا على نجاح سياسته، وتلك المكاسب تدعمها الدول الخليجية الثلاث، ولكن بما يخدم مصالحها الوطنية والقومية، وبما يؤكد على دورها الفاعل على الصعيد الدولي، في توظيف واضح ومدروس للمال الإيجابي.

التعليقات معطلة.