تغريدة الصباح- حسن حميد
بلى، أن يصدر كتاب أوروبا، وفي بلدان عدة منها، بيانين اثنين لنصرة الشعب الفلسطيني، وشرح ما يتعرض له من حرب همجية خلال زمن طال وامتد حتى غدا ثقيلا، وموجعا، ومحتشدا بالسكوت المشين، واللامبالاة التي لا تليق بأي احساس إنساني، وبالملاومة، والعتب، والتجاهل، وكله..لا يمكن احتماله، لأنه زمن من دم، وخراب، وتوحش، وتدمير، وتشريد، وتهجير، وتجويع، وإبادة جماعية زادت أيامها المرة والدموية على 600 يوم، كل يوم منها تعذيب، وسجون، وغصات، وجوع، وأمراض، وحرائق، ومطاردات، وانتظارات لأخبار وآمال تقول: انتهت الحرب، انتهى القصف، انتهت المجاعة، انتهى حصار المشافي، وانتهى تدمير المدارس، وانتهى العطش، وانتهت الأسئلة المرة الأليمة الباحثة عن إجابات تدور حول بدهيات الحياة وأولياتها، وأبداها: أين الطعام، والماء، والأمن، وحبة الدواء؟؟
نعم، أصدر كتاب أوروبا في بريطانيا واسكتلندا وايرلندا، وفرنسا، بيانين اثنين، قالا جملة واحدة نافعة ومفيدة: كفى حربا! لأن هذه الحرب المستمرة بأذياتها وتشريدها وحرائقها ودمارها وأهوالها ضد الشعب الفلسطيني هي حرب إبادة لهذا الشعب الذي يطالب بحقوقه التاريخية في بلاده، ويطالب بالأمن والسلامة فوق أرضه، والأمان في قراه، ومدنه، ومخيماته، ويطالب بحياة كريمة لا تطالها يد القوة الإسرائيلية العمياء ساعة تشاء، حياة لا تهديد فيها ولا مخاطر ولا مخاوف تأخذ الناس من بيوتهم عنوة وبالقوة القاهرة، إلى السجون التي هي قرى موحشات ملأى بكل أشكال التعذيب والمهانة، وبالأمراض والخوف ناهيك عن ممارسة كل (فنون) الحقد على أجسادهم وأرواحهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية داخل هذه السجون ومنها: التعرض للشمس، والقراءة، ومعرفة أخبار العالم، ولقاء الأبناء في زيارات محددة، حتى لو كانت قصيرة.
الكتاب الأوروبيون، وعديدهم حوالي 700 كاتب وكاتبة، بعض منهم فازوا بجائزة نوبل، رفعوا الصوت عاليا بأن ما يحدث في فلسطين هو إبادة جماعية، وتطهير عرقي، وممارسات غبية علوق بالتوحش والدموية، وقد آن الوقت لتقف، وتنتهي فورا، وآن لهذه الفرجة البشعة أن تنتهي، فالناس في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة يقتلعون من قراهم ومخيماتهم ومدنهم، ويطردون ويشردون ويعتقلون، ويسجنون لأتفه الأسباب، وهم يموتون في الشوارع، والمدارس، والمشافي، والمساجد، والكنائس، وهم محرومون، منذ شهور، من الطعام والماء والدواء، أما التعليم، فهم محرومون منه منذ سنتين بسبب الحرب، والعالم الغربي يتفرج فرجة اللامبالاة الملأى والاستهتار والعبث والارجاء غير المبرر، ونقول العالم الغربي، وهذا الكلام للكتاب الأوربيين، لأنه هو القادر على إيقاف هذه المجازر الدموية التي ترتكب، نهارا جهارا، في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، وهذا ليس عدلا، ولا يليق بإنسانية القرن الواحد والعشرين، وحقوق الإنسان، والقيم التي نادت الكتب والمدارس والبشرية بتكريسها، وفي طالعها: الحرية.
والأهم في البيانين الاثنين، الإنجليزي والفرنسي، هو إدراك هؤلاء الكتاب بأن ما يحدث لأبناء الشعب الفلسطيني، منذ سبع وسبعين سنة (1948) وحتى اليوم، هو عار قبيح ومذل تتحمل مسؤوليته النخب الثقافية والسياسية والحقوقية، لأن بقعة جغرافية صغيرة، هي البلاد الفلسطينية، تتواصل فيها المجازر والمذابح تترى، منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، وعلى نحو مستعر ومحموم ومحتشد بالظلم والإكراهات، وما أكثرها، ولا أحد يواجهها بما يستوجب من عدل، وهذا عيب كبير وأكثر ألا تجد البشرية مجتمعة حلا مناسبا ينقذ الشعب الفلسطيني مما هو فيه من حمامات الدم، وطقوس المذابح والمجازر، والقهر اليومي، والتعذيب البشع، وتعطيل الحياة وتدميرها في السجون الإسرائيلية، والاعتداءات اليومية المتكررة على أراضي الفلسطينيين وحقوقهم من أجل بناء المزيد من المستوطنات، وفبركة القرارات اليومية أيضا من أجل التضييق على حياة الفلسطينيين، واهانتهم في كل تفصيل من تفاصيل حياتهم، حتى غدت حياتهم سجنا كبيرا فيه الشيخ والشاب، والمرأة، والطفل، سجنا للتعذيب، والموت، والأمراض، سجنا تلد فيه النساء، ويعاقب فيه الأطفال كما لو أنهم حيوانات في سيرك.
نعم، يتعالى الآن صوت كتاب البلاد الغربية، وهذا فعل حسن، وإن تأخر طويلا طويلا، فقد جاء بعد استشهاد أكثر من 55 ألف شهيد نصفهم من الاطفال، وإصابة أكثر من 120 ألف مواطن ومواطنة، وبعد تدمير عصابي لم يعرفه مكان في الدنيا، وبعد تظاهرات عمت مدن أوروبا وعواصمها وجامعاتها وساحاتها، ولكن من جاء لم يتأخر، فهؤلاء الأدباء والكتاب يعرفون تفاصيل كثيرة عما يحدث في بلادنا الفلسطينية، وبعضهم زاروا حيفا ويافا وغزة والقدس، لكنهم إن جهروا بها خافوا العقاب، خافوا التهم التي ستوجه إليهم، البيانان الاثنان، وإن تأخرا، هما خطوة نحو الحق، وتشير إليه، وخطوة تبدي وجوه الظلم الواقع على أبناء شعبنا، وتشير إليه، وهذا أمر حسن ومحمود.. لأنه يأتي من دارة الأدب والفكر والفنون، ومن صدور عرفت الظلم وكتبت عنه، مثلما عرفت الحق وكتبت عنه، لا بل يأتي البيانان الاثنان صرخة جهيرة وعالية من الذين كتبوا عن الحرية ومعانيها وأعلامها ودروبها.. وعن الحرية وطلابها أيضا..