شيء من التاريخ

7

 

– الجزء الرابع عشر –

جميل عبدالله 

موقف العراق من قرار مجلس الأمن 692 / 1991 .

وجه وزير خارجية العراق السيد احمد حسين الى رئيس مجلس الامن بتاريخ 27 أيار 1991 اودعت لدى المجلس الرسالة المندوب الدائم للعراق الدكتور عبد الامير الانباري المؤرخة في 28 أيار 1991 .

وجاء من أهم الجوانب القانونية للرسالة ما يلي :

أطلعت على قرار مجلس 692 / 1991 وأجد لزاماً علي ان اعلمكم بموقف بلادي ازاءه نظراً لما تضمنه القرار من مضامين خطيرة ليس على العراق وانما على جميع مفاهيم العدل والانصاف وجوهر القانون الدولي .

ان قرار مجلس الامن 692 / 1991 يضيف سابقة خطيرة وجديدة الى سلسلة السوابق التي تضمنتها قرارات المجلس التي اتخذها ضد العراق منذ 2 آب 1990 . وعلى الرغم من ان هذا القرار اجرائي فان آثاره ونتائجه على مستقبل الشعب العراقي وأجياله القادمة تجعل من واجبي ومسؤوليتي باجراء مناقشة علنية قبل اعتماد القرار قد اقفل الباب امامنا لبيان راينا امام الراي العام العالمي والدول الاعضاء في المنظمة للاطلاع على الحقائق التي ساهم المنصفون في تسجيلها .

ولا اضيف جديداً عندما اشير الى عجز مجلس الامن عن اتخاذ قرارات اعادة الحق المغتصب الى الشعب الفلسطيني والاعتراف بحقوقه غير القابلة للتصرف في تقرير مصيره اقامة دولته . وحتى في الحالة الاستثنائية البارزة التي صوتت فيها الولايات المتحدة لصالح قرار مجلس الامن 487 (1981) بأدانة اسرائيل لهجومها العدواني على مفاعل تموز النووي المخصص للاغراض السلمية فأن الولايات المتحدة لم تتحمس الى دفع مجلس الامن لاتخاذ الاجراءات اللازمة لتنفيذ القرار المذكور واجبار اسرائيل على دفع التعويضات التي نص عليها القرار .

ان المجلس بموجب قراره 692 (1991) قد أنشا جهازا سياسيا للبت في مسائل قضائية . وجعل هذا الجهاز خصما للعراق وحكماً عليه في الوقت نفسه . واذا كانت المهمة الاساسية لمجلس الامن , كجهاز رئيسي من اجهزة الامم المتحدة , وهي حفظ السلم والامن الدوليين , فان الميثاق قد أناط بمحكمة العدل الدولية كجهاز رئيسي للمنظمة مهمة الفصل في الدعاوي القضائية وتحديد نسبة التعويضات , وبذلك يكون المجلس , وبتاثير رئيسي من قبل الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا , قد تحول من سلطة سياسية الى سلطة قضائية . واذا كانت سلطة محكمة العدل الدولية مستقلة وتمثل قضاة مستقلين ينتخبون بغض النظر عن جنسياتهم وطبقاً لصفاتهم الخلقية العالية والحائزين في بلادهم على المؤهلات المطلوبة للتعيين في ارفع المناصب القضائية او من المشرعين المشهود لهم بالكفاءة في القانوني الدولي , فأن صندوق التعويضات ومجلس ادارته المنشأ بموجب القرار692 قد جاء ليعكس التشكيلة السياسية لمجلس الامن التي كان الغرض منها بعد أنتهاء الحرب العالمية الثانية تحقيق توازن سياسي للقوى المتحالفة المنتصرة . فهل يجوز ان يحول مجلس الامن من جهاز رئيس لحفظ السلم والامن الدوليين  الى جهاز ينشئ اجهزة قضائية تابعة له ولم يخوله بذلك الميثاق ويتجاوز على سلطات جهاز رئيس اخر هو محكمة العدل الدولية ؟ .

ان تحديد مسؤولية العراق عن التعويض بموجب الفقرة 16 من القرار 687 (1991) يجب ان تتم بموجب القواعد والاجراءات التي يقرها القانون الدولي وليس وفقاً للسياسة العامة التي يضعها ” مجلس ادارة ” صندوق التعويضات الذي انشاه القرار 692 , هذا المجلس الذي عليه ان يبت في طلبات التعويضات التي قد تتجاوز عشرات البلايين .

ان تركيبة هذا المجلس السياسية ستجعل معيار النظر في التعويضات استناداً الى مصالح وسياسات الدول الاعضاء في المجلس وليس استناداً الى قواعد القانون الدولي ومن دون ان يعطي العراق حق الدفاع عن نفسه , والاخذ بمصالحه الاقتصادية الحالية والمستقبلية . وأول الادلة على ذلك هو عدم اخذ مجلس الامن بالاعتبار الطلب الذي تقدم به العراق بتأجيل دفع التعويضات فترة خمسة اعوام في ضوء اوضاعه الاقتصادية الحالية وتلبية الحاجات الاساسية للشعب العراقي واصلاح الاضرار التي تعرض لها العراق من جراء العدوان عليه .

ان استجابة مجلس الامن لمحاولات امريكا وحلفائها في فرض نسب تستقطع من عوائد النفط العراقية يعني اعطاء المجلس بصورة غير مباشرة سلطة التحكم بموارد شعب العراق النفطية من حيث مستوى الانتاج , وبذلك ستحقق الولايات المتحدة والدول المغرضة هدفا اخر وذلك ايضا هو تحطيم منظمة الأوبك وانتزاع حقها في السيادة على مصادرها النفطية وتحديد صادراتها من النفط الخام ومنتجاتها .  ان القرار 692 قد فتح الباب لكل الطامعين والمحتالين للتقدم بمختلف الطلبات الباطلة او المبالغ فيها من دون ان يكون للعراق حق في اثبات عدم مشروعيتها .

ان النتائج الاكيدة لهذا القرار هي افقار الشعب العراقي والاجيال القادمة لعقود طويلة ومعاقبة جيل الحاضر الذي عاني ومازال يعاني آثار الحصار الاقتصادي والعدوان العسكري . وسيؤدي القرار الى خلق ظروف ملائمة لانتشار الأوبئة والمشاكل الاجتماعية وانتشار الجريمة .

ان القرار 692 ليس له أية سابقة ولايوجد له سند في ميثاق الامم المتحدة و لا اية اتفاقية دولية . أن السلطات المطلقة التي منحت لمجلس ادارة الصندوق لم تمنح لاية منظمة دولية في تاريخنا الحديث .

وان مجلس الامن بقراره هذا قد زرع بذرة فناء الجهاز الذي اوجده بلا سند قانوني وعادل , الامر الذي يجعل صدقية المجلس ومسؤوليته في الحفاظ على الامن والسلم الدوليين موضع الشك العميق . وان تاريخ الامم المتحدة سيتضمن , من دون شك , صفحات سوداء مليئة بالادانة لكل القرارات الظالمة والمجحفة التي اصدرها مجلس الامن ضد العراق تحت ظروف الضغط الامريكي التي تشكل سوابق تحمل في طياتها ليس فقط هضم حقوق العراق وانما تحطيم قيم العدالة والانصاف وتشويه اسس ومضامين القانون الدولي .

 

 

التعليقات معطلة.