ديمقراطية للبيع

15

 

بطاقات انتخابية للبيع.. مقاعد مجلس النواب للبيع.. والشرعية الدولية تُصفق!

 

في الوقت الذي تتسابق فيه الدول لتحديث دساتيرها وتقوية مؤسساتها، يصرّ البعض عندنا على تسويق “ديمقراطية السوق”، لا بمعناها الليبرالي، بل الحرفي: سوقٌ حقيقي، تُباع فيه البطاقات الانتخابية، وتُشترى فيه المقاعد النيابية، ويُدار من خلف الستار بمزادٍ على الولاءات، لا على البرامج.

سوقٌ لا ينضبط بقانون، بل تحكمه شريعة المحاصصة والتبعية

في موسم الانتخابات، تنقلب الدولة إلى كشك انتخابي ضخم. المرشح لا يحتاج إلى رؤية أو مشروع وطني، بل إلى دفتر شيكات، ومكتب دعاية يتقن فن اللعب على مشاعر الفقراء. الناخب لا يسأل عن السياسات العامة أو محاربة الفساد، بل يسأل: “هل تقدر تشغل ابني؟ تخليني أداوم نص ساعة بس؟ تشطب اسمي من الاستدعاء؟”

هكذا تتحول الانتخابات إلى صفقة: صوت مقابل خدمة، وبرنامج انتخابي مقابل ظرف مغلق.

الديمقراطية كواجهة.. والشرعية الدولية كضمانة للفشل

لكن الأخطر من كل ذلك، أن هذا العبث يُغلف بغلاف “الشرعية الدولية”. تأتي وفود المراقبين الدوليين، يلتقطون الصور مع قادة الكتل، يبتسمون أمام الكاميرات، ويصدرون تقارير دبلوماسية مطاطة: “شهدنا عملية انتخابية نزيهة من الناحية الفنية، رغم بعض التحديات التقنية والمناخية والسياسية والاجتماعية والكونية!”

أي نفاق هذا؟ أي ديمقراطية تُقاس بعدد الصناديق، لا بجودة الإرادة؟ كيف يمكن لمجتمع دولي، يرفع شعار الحريات، أن يبارك نظامًا يقوم على تزوير الوعي، وإذلال الناس، وإعادة تدوير الفشل؟

الجواب بسيط: ما دامت مصالح الكبار محفوظة، فليحترق الداخل بنار “الشرعية” الزائفة! هذه الشرعية الدولية، التي تُفصّل الأنظمة كما تُفصّل البدلات، لا تهمها العدالة الاجتماعية، ولا بناء الدولة، بل فقط: استقرار هش يضمن تدفق الغاز والنفط وتوقيع الاتفاقيات الأمنية.

مجلس النواب: بين السمسرة والتوريث السياسي

لننظر قليلاً إلى البرلمان بعد كل “مهرجان انتخابي”:

وجوه متكررة، بعضها يتحول إلى “مقاعد وراثية”.

لجان برلمانية أشبه بنوادي نفوذ.

قوانين تُمرر تحت الطاولة، أو تُدفن تحت كراسي المحاصصة.

ونواب لم يفتحوا أفواههم سوى لأداء القسم… ثم عادوا إلى النوم النيابي العميق.

لا رقابة حقيقية، لا محاسبة، لا رؤية وطنية، بل صفقات تتنقل بين الكتل كما تتنقل الحقائب بين المهربين.

الضحك على الذقون لم يعد مجديًا

في ظل هذا الواقع، لم تعد الدعوات إلى “الانتخاب الواعي” سوى نكتة مكررة. كيف يكون المواطن واعيًا في نظام يحرمه من التعليم، ويسحقه بالفقر، ويخدّره بالإعلام؟ كيف تطلب منه أن يفرّق بين مرشح نزيه وآخر فاسد، وكلاهما يلبس الزيّ نفسه، ويرفع ذات الشعارات، ويخطب في ذات القنوات؟

خاتمة: من يشتري ديمقراطية مصابة بالسُعال؟

الديمقراطية ليست مجرد صندوق اقتراع، بل عقد اجتماعي، ومؤسسات فاعلة، وشعب واعٍ، وأحزاب تؤمن بالوطن لا بالصفقات. لكن في ظل هذا الواقع البائس، صرنا بحاجة إلى ديمقراطية حقيقية تُنقذنا من ديمقراطيتنا المزيفة، لا إلى بيانات دولية تُجمّل القبح، وتُقنن الفشل.

فمن يشتري ديمقراطية مريضة، تتنفس تحت أجهزة الشرعية الدولية، وتُباع فيها الكرامة بالجملة؟

حتى إشعار آخر، تبقى ديمقراطيتنا معروضة للبيع… في انتظار من يدفع أكثر .

التعليقات معطلة.