العراق: لا سياسة.. بل إدارة أمنية بتفويض خارجي

14

 

 

في المشهد العراقي الراهن، من العبث الحديث عن “مشهد سياسي”. فالمصطلحات فقدت معناها، واللغة فقدت صدقها، والواقع كشف كل الأقنعة. ما يجري في العراق ليس حراكًا سياسيًا، ولا انتقالًا ديمقراطيًا، ولا حتى صراع نفوذ داخلي. بل هو باختصار: إدارة أمنية مركّبة لوظيفة إقليمية – دولية باسم العراق.

لا وجود للسياسيين… بل مندوبون مكلّفون

من يتصدرون المشهد في بغداد ليسوا سياسيين بالمعنى الحقيقي، ولا حتى ممثلين للشعب. إنهم مندوبون إقليميون ودوليون، يديرون ما تبقى من الدولة العراقية بصفة موظفين مؤقتين، لا يملكون رؤية، ولا مشروعًا، ولا شرعية حقيقية. هؤلاء لا يصنعون القرار، بل يتلقّونه، ولا يمثلون العراقيين، بل يمثلون مصالح من كلفهم.

العملية السياسية ما بعد 2003 لم تكن سوى مشروع لزرع طبقة هجينة، وظيفتها منع عودة العراق إلى ذاته، إلى تاريخه، إلى وعيه، وإلى سيادته.

تعديل السلوك لا تغيير النظام

ما يسوّقه البعض اليوم من “تغيير مرتقب” أو “حسم قريب” ليس أكثر من محاولة لتعديل السلوك الأمني للنظام. وليس النظام هنا مجموعة مؤسسات وطنية، بل هو “نظام خدماتي وظيفي” خاضع لتوازنات دولية وإقليمية، هدفه الأوحد: منع انهيار المنظومة التي تخدم مصالح الخارج، لا الداخل.

فالنظام، طالما يُبقي الشارع تحت السيطرة، ويدير الغضب الشعبي بوسائل قمع ناعمة أو خشنة، لا مشكلة في بقائه. الخطر الوحيد عليه هو فشله في أداء هذه الوظيفة الأمنية. حينها فقط، تبدأ محاولات “التغيير”، لا لأجل العراق، بل لأجل استمرار النظام بوظيفة محسّنة.

إيران: الوكيل الأوقح في سرقة العراق

وفي قلب هذا المشهد، تلعب إيران الدور الأخطر والأخبث. فهي لا تمارس نفوذًا سياسيًا فحسب، بل تمارس احتلالًا مقنّعًا بأدوات محلية. أحزاب، فصائل، منصات إعلامية، رجال دين، شبكات مالية… كلها أدوات تدار من طهران، لكنها تتحدث بلهجة عراقية.

إيران لم تبنِ دولة في العراق، بل هدمت ما تبقى منها، واستبدلتها بشبه دولة، معلّقة بين الخراب والمجهول. كل ما هو وطني مستهدف، وكل ما هو تابع مرحَّب به.

الجريمة الدولية: تعليب العراق في معادلة غير عراقية

ما حصل في العراق بعد 2003 لم يكن تحريرًا، بل تعليبًا سياسيًا وأمنيًا لشعبٍ كامل داخل معادلة قرّرها الخارج. أميركا زرعت الفوضى، إيران استغلتها، والعالم غضّ الطرف. تم تدمير الدولة، وتفكيك المجتمع، وإجهاض الوطنية، وإنتاج “نظام زائف” لا يعكس الإرادة العراقية، بل الإرادات المتقاطعة في واشنطن وطهران وتل أبيب.

الأمم المتحدة نفسها، التي يفترض بها أن تمثل القيم الإنسانية، أضفت غطاءً أمميًا على هذه الجريمة، عبر مباركتها انتخابات صورية، ودعمها لحكومات فاسدة، وصمتها عن انتهاكات صارخة.

طبقة سياسية بلا وطن

أمّا ما يُسمّى بـ”الطبقة السياسية”، فهي أبعد ما تكون عن الوطنية. تحوّلت إلى “كومبارس دائم” في مشهد لا تملكه، لكنها تستثمر فيه من أجل بقاء امتيازاتها. لا فرق بين من يحتمي بإيران ومن يتودد لأميركا أو يغازل الخليج. الجميع شركاء في الجريمة، لأن الجميع تخلّى عن البوصلة الوطنية، وأصبح رهينة الخارج مقابل موقع أو عقد أو حماية من السقوط .

 العراق ينتظر لحظة كسر

لا حل في العراق إلا بكسر القيد بالكامل، لا بترقيع السلوك. العراق لا يحتاج إلى إصلاح منظومة خربة، بل إلى استعادة قرار، وبناء مشروع وطني مستقل، لا ترضى عنه لا طهران، ولا واشنطن، ولا أي طرف إقليمي يرى العراق مجرد ممر أو خزان.

وحتى ذلك الحين، سيبقى “التعديل الأمني” هو عنوان المرحلة، وسيبقى النظام يتحرك كدُمية مربوطة بخيوط خارجية، يحميها من الداخل من هم أوكلوا إليهم وظيفة إبقاء العراق تحت السيطرة… لا أكثر .

التعليقات معطلة.