حاسبوهم أشدّ الحساب

4

إقبال الأحمد

أنا شخصيا توقفت منذ سنوات طويلة عن استخدام الجمعيات الخيرية كوسيط لإيصال تبرع أو دفع الخير للمحتاجين. عندما اكتشفت منذ عشرات السنين ان احد مشاريع «كافل اليتيم» الذي شاركت به في التسعينيات، عبر احدى اللجان او الجمعيات الخيرية (والتي استمررت معها سنوات طويلة) لأيتام في آسيا، ما هم إلا أسماء فقط.
وعندما أوقفت هذا العمل ولاكثر من سنة، استمرت الشهادات العلمية وصور الاطفال بالوصول لي شهريا ضمن تقارير تقدمهم العلمي (ولكنها تختلف عن من ابلغوني اساسا انهم اصبحوا ابنائي ومسؤولة عن تعليمهم..). وقد اثار ذلك الشك عندي، وان الموضوع فيه جانب استغلالي، والا ما استمرت الشهادات وصور مختلفة تصلني سنوات بعد توقيف التبرع، والله اعلم.

‏عندها شطبت كل الجمعيات واللجان الخيرية.. بعد (وللأسف) ان أثر الطالح في الصالح منها، واقتصرت أعمالي الخيرية على من اعرفه شخصيا او عن طريق شخص مباشر اثق به.

استغربت العدد الكبير للجهات الخيرية التي استغلت العمل الخيري من خلال بعض اللجان او الجمعيات الخيرية ولمخالفتها شروط وزارة الشؤون، ما حدا بوزارة الشؤون مؤخرا اعلان تعليق جمع التبرعات الإلكترونية وجميع عمليات جمع التبرعات عبر الروابط والمواقع الإلكترونية غير الرسمية، مع تجميد التحويلات الداخلية والخارجية والإعلانات والروابط والأعمال المرتبطة بها.

وحسب ما جاء في خبر الوزارة.. فإن هذا القرار يستند إلى حرصهم على «سمعة ومكانة الكويت» وحماية أموال المتبرعين. كما وجهت إنذارات لجهات خيرية للاخلاء بلغت أكثر من 200 فرع تابع لـ84 جمعية خيريّة من المباني السكنية لاسباب مختلفة، إما لمخالفات تنظيمية واستغلال مبانٍ سكنية، او لعدم وجود تراخيص مناسبة او عدم الالتزام بالإفصاح المالي.

الا ان اخطر هذه الامور هو استخدام التبرعات لأغراض سياسية أو طائفية. وهنا الخطورة والاستغلال الفج لنوايا اهل الطيب والقلوب الرحيمة، التي تتبرع من حر مالها لتُعين وتساعد فقيرا او محتاجا، حين توجه تبرعاتها ومن دون علمها او رضاها، لدعم جماعات معينة أو لخدمة أجندات خاصة لا علاقة لها بالمستحقين الحقيقيين.

الشخص او الجهة التي تستغل تبرعات الآخرين المخصصة للعمل الخيري لمصالح خاصة هي شرعيا وقانونيا خائنة للأمانة، ومعتدية على اموال الغير، وفاسدة.

هذا النوع من البشر يطلق عليه «محتال» باسم العمل الخيري أو مختلس لأموال التبرعات، وهؤلاء يكونون.. إما رئيس أو مدير جمعية خيرية فاسد، يقوم بتحويل أموال التبرعات لمشاريعه الخاصة أو لحساباته الشخصية، ويُوهم الناس بأن اموالهم وتبرعاتهم تذهب للمحتاجين، بينما هي اخذت طريقها لمخططاته الخاصة، او داعية أو شخصية دينية مزيفة يستغل اصحاب القلوب الرحيمة من خلال خطابه الديني الملغم بالعاطفة الدينية لحث الناس على التبرع، ثم يقوم بتوجيه هذه الاموال لأغراضه السياسية أو الطائفية.

مستغل التبرعات الخيرية يكون.. إما فردا مباشرا او وسيطا، ممن يستخدمون المال المتبرع به، أو الموقع في العمل الخيري، لمصلحتهم، او مؤسسة (أو كيانا وهميا أو مرخصا استغلالًا)، قد تكون مسجّلة رسميًا أو غير رسمية، نشاطها المعلن خيري، لكنها تستغل التبرعات لغرض غير خيري أو لأهداف شخصية أو تجارية او طائفية أو سياسية.

حسنا ما قامت به وزارة الشؤون بلجم شهية الاستغلال والفوضي التي توسعت وللاسف في بلد الخير، ما يتوجب ان يوضع العمل الخيري في اطار قانوني حازم، وفرض عقوبات صارمة في حالات الاستغلال أو الغش تبدأ بغلق الجمعية، ومحاسبة المسؤولين جنائيًا، ومنعهم من العمل الخيري مستقبلاً… او حتى اي عمل اخر.

لابد من إشراك المجتمع المدني في المراقبة والسماح للمتبرعين أو المستفيدين، او يقومون بالإبلاغ عن اي حالة استغلال أو سوء توجيه للاموال الخيرية.. لان العمل الخيري اساسه انه دون مقابل مادي، ويهدف لتلبية احتياجات المحتاج والضعيف، سواء ماديا أو معنويا، اما غير ذلك فهو استغلال ونصب واحتيال.

حاسبوهم وعاقبوهم بأشد العقاب، ولا تترددوا في ذلك ثانية واحدة.

في الختام، أودّ التأكيد على ان كل ما ورد اعلاه يُقصد به البعض.. البعض، وليس الكل

 

التعليقات معطلة.