كيف نفهم حدود وقدرة الرد الإيرانيين على إسرائيل؟

5

خيارات طهران اقتصرت إلى الآن على الرد التقليدي وحسابات التصعيد تفرضها طبيعة الضربات المتبادلة وحجم الأضرار والخسائر
أحمد عبد الحكيم صحافي
تنحصر خيارات الرد التقليدي الإيرانية في سلاح الصواريخ والطائرات المسيرة لما تملكه من ترسانة كبيرة عملت على تطويرها خلال السنوات الماضية (أ ف ب)
ملخص
أمام مشهد لا يزال غير مكتمل بعد، تتصاعد الأسئلة بشأن حسابات الرد الإيراني وحدود وقدرات استمراره بعد تلقيها ضربات وصفها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بـ”الممتازة والناجحة”، فضلاً عن سيناريو انجرارها لحرب شاملة مع تل أبيب، ومدى صمودها بعدما بات “المسار الجوي إلى طهران مفتوحاً فعلاً” بحسب تصريحات مسؤولين عسكريين إسرائيليين.
يقف النظام الإيراني بمشروعه السياسي والعسكري عند “مفترق طرق” بعيد ضربات إسرائيلية طاولت أنحاء البلاد واستهدفت منشآت نووية ومصانع ومنصات صواريخ وقتلت عدداً كبيراً من القادة العسكريين والعلماء النوويين، في عملية عسكرية لا تزال مستمرة ويرجح لها أن تمتد أسابيع عدة.
الضربات الإسرائيلية المتواصلة حتى “إنهاء التهديدات النووية”، والرد الإيراني عليه الذي تمثل حتى الآن في دفعات من الصواريخ الباليستية والفرط صوتية فضلاً عن الطائرات المسيرة، وضع طهران ومعها قدراتها العسكرية والأمنية أمام اختبار “غير مسبوق” وسط حسابات معقدة ومركبة على المستويين الداخلي والخارجي، بعد أعوام من التهديد والوعيد للدولة العبرية، وتأكيد أن برنامجها النووي “الخط الأحمر” الأبرز في عقيدتها الأمنية، وأنها لن تتهاون مع سيناريوهات استهدافه أو إخضاعه، مما أكدتها تصريحات مسؤوليها في أعقاب الضربة الإسرائيلية بأن “الرد سيتصاعد وسيكون قاسياً وسيجعل إسرائيل تندم على عملها الأحمق”.
وأمام مشهد لا يزال غير مكتمل بعد، تتصاعد الأسئلة بشأن حسابات الرد الإيراني وحدود وقدرات استمراره بعد تلقيها ضربات وصفها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بـ”الممتازة والناجحة”، فضلاً عن سيناريو انجرارها لحرب شاملة مع تل أبيب، ومدى صمودها بعدما بات “المسار الجوي إلى طهران مفتوحاً فعلاً” بحسب تصريحات مسؤولين عسكريين إسرائيليين.
حدود وقدرات الرد الإيراني
حتى كتابة هذا التقرير، كانت إيران قد انتهت من إطلاق الدفعة السادسة من الصواريخ باتجاه مناطق واسعة في إسرائيل، متعهدة في الوقت ذاته أن ضرباتها على إسرائيل ستستمر، وأنه من المقرر توسيع أهدافها لتشمل القواعد الأميركية في المنطقة خلال الأيام المقبلة.
ذلك الرد واحتمالات تصاعده يتوقفان وفق ما تحدث به مراقبون إلى “اندبندنت عربية”، على حجم الإصابات التي حققتها الضربات الإسرائيلية في العمق الإيراني خلال الساعات الـ24 الماضية، الذي لا يزال واضحاً وسط تناقض التصريحات المتقابلة من كل من تل أبيب وطهران، مشيرين في الوقت ذاته إلى أن حجم وشمول الضربة الإسرائيلية الأولي لإيران لم يدع أمامها خيارات سوى الرد، إلا أن استمراره وتصاعده يتوقفان على حسابات طهران الإقليمية والداخلية التي باتت “معقدة ومركبة”.
AFP__20250614__62CE7CH__v1__Preview__IsraelIranConflict.jpg
منذ بدأت إسرائيل ضرباتها العسكرية ضد إيران أطلقت الأخيرة 6 دفعات من الصواريخ باتجاه مناطق واسعة في الدولة العبرية (أ ف ب)​​​​​​​
ويقول المحلل السياسي لشؤون الشرق الأوسط في صحيفة “نيوزويك” ومجلة “فورين بوليسي” الأميركية جوزيف إبستين، “على رغم أننا لا نزال لا نملك صورة كاملة، فإنه حتى الآن، يبدو أن الضربات الإسرائيلية كانت ناجحة للغاية، بل وفق توصيف بعض الاستخباريين الإسرائيليين فإنها كانت أكثر نجاحاً مما توقعوا، لا سيما بعدما شملت الضربات الأولى البرنامج النووي ومصانع ومنصات الصواريخ فضلاً عن كبار موظفيها العسكريين والنوويين، وهو ما من شأنه أن يحد من أي ردود تصعيدية من قبل إيران”.
ويتابع إبستين في حديثه لنا، “ذكرتني مشاهد الضربة الإسرائيلية الأولى لإيران ما حدث مع حزب الله اللبناني العام الماضي، حين استهدفت تل أبيب بصورة غير مسبوقة كل قيادات الصف الأول والثاني من قيادات الحزب الحليف الأبرز لطهران في المنطقة، وعلى رغم أن حينها توقع كثر أن تواجه إسرائيل موجة غضب عنيفة من قبل الوكيل الإيراني ستربك حسابات الجبهة الداخلية الإسرائيلية، إلا أن هذا لم يحدث لأن إسرائيل استهدفت تزامناً مع قتل قادة الحزب، المخزونات العسكرية والصاروخية وتمكنت من تحييد جانب كبير منها بنجاح”، مضيفاً “لا ينبغي أن ننسى أنه على عكس حرب غزة التي كانت مفاجئة بالنسبة إلى المستويات العسكرية والأمنية لإسرائيل، إلا أن الأخيرة تعد وتخطط منذ أعوام طويلة للتنفيذ عمليات قوية ضد كل من ’حزب الله’ وإيران نفسها، مما ستكشفه الأيام المقبلة في شأن الاستعدادات المسبقة للحرب”.
ويمضي بالقول، “مع ذلك حذر المسؤولون الإسرائيليون في أعقاب الضربة على الفور من احتمال وقوع أضرار كبيرة من الرد الإيراني”، مرجحاً أن يقتصر الرد الإيراني على أمرين بالأساس هما “مواصلة إطلاق الصواريخ الباليستية والفرط صوتية على شكل دفعات، أو محاولة استهداف أهداف يهودية وإسرائيلية في الخارج”، وعليه وبحسب إبستين، فإن السؤال الذي سيبقى مطروحاً خلال الساعات والأيام المقبلة، “هو ما إذا كانت الولايات المتحدة قد تتدخل في هذه الحرب للدفاع عن إسرائيل كما فعلت في السابق”.
من جانبه يقول الأكاديمي والمحلل الاستراتيجي الأردني اللواء صالح المعايطة، “لم تقم إسرائيل بضربة عسكرية لإيران، وإنما تنفذ عمليات متعددة المستويات لاستهداف كل القدرات العسكرية الإيرانية ومراكز الثقل السياسية”، موضحاً “لفهم طبيعة وحدود الرد الإيراني واستمراره يجب فهم أولاً مدى الأضرار التي لحقت بالدفاعات الجوية ومنصات إطلاق الصواريخ ومنظومة الصواريخ الإيرانية ذاتها، وانعكاس تأثير استهداف القيادات العسكرية على إيران، حيث قتل قادة في الجيش والحرس الثوري والاستخبارات فضلاً عن العلماء النوويين ومستشارين للمرشد الأعلى للبلاد”.
ويتابع المعايطة في حديثه إلينا “يجب ألا نغفل في المواجهة الراهنة بين إيران وإسرائيل، تفوق الأخيرة الاستخباري والأمني وعلى صعيد السيطرة الجوية والفضاء، إضافة إلى قدرتها على تحييد وسائل الدفاع الجوي الإيرانية حتى باتت تملك السيطرة الجوية المطلقة، وأصبح الطيران الإسرائيلي يحلق داخل أجواء إيران بحرية، كأنها تحلق في سماء تل أبيب، هذا بالطبع مع تسهيلات لوجيستية واستخباراتية وأمنية أميركية مهمة وحاسمة، وهذا ما يفقد القيادة السياسية والعسكرية الإيرانية جزءاً من قدرتها على تصعيد الرد”.
ومع ترجيح المعايطة أن يستمر الرد الإيراني في شكله التقليدي، عبر دفعات صاروخية ومسيرات باتجاه إسرائيل، إلا أنه حذر في الوقت ذاته من لجوء طهران إلى ما يعرف بنظرية “شجاعة اليأس” والمتمثل في رد انتقامي متعدد الجبهات حال وصولها حد “حافة الانهيار” وذلك حفاظاً على تماسك جبهتها الداخلية، مشيراً إلى أنه في هذه الحال “قد يكون الرد انتحارياً، مما سيقلب الأمور في المنطقة”.
وتنحصر خيارات الرد التقليدي الإيرانية في سلاح الصواريخ والطائرات المسيرة. إذ تمتلك ترسانة كبيرة من الصواريخ الباليستية متوسطة وبعيدة المدى، فضلاً عن مسيرات هجومية متنوعة، عملت في الأعوام الأخيرة على تحسين دقتها، إلا أن هذا الخيار يواجه تحدياً كبيراً في ما يتعلق بقدرته على اختراق وتحييد منظومات الدفاع الجوية الإسرائيلية، إذ تمتلك تل أبيب منظومة دفاع جوي من عدة طبقات تشمل منظومات “آرو” لاعتراض الصواريخ الباليستية على مراحل خارج الغلاف الجوي، ومنظومات “القبة الحديدية” و”مقلاع داوود” للصواريخ القصيرة والمتوسطة، إضافة إلى بطاريتي “ثاد” أميركيتين نشرتا أخيراً في إسرائيل لتعزيز الدرع الصاروخية، وفي آخر مواجهة مباشرة بين الطرفين في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، أظهرت هذه المنظومات قدرتها على اعتراض وابل من الصواريخ الباليستية الإيرانية بنسبة نجاح مرتفعة نسبياً، على رغم وصول عدد محدود منها لأهدافه وإحداث أضرار في عمق إسرائيل.
AFP__20250614__62D88KD__v1__Preview__IranIsraelConflict.jpg
جانب من آثار الدمار التي خلفتها الصواريخ الإيرانية في تل أبيب (أ ف ب)
ومنذ اللحظات الأولى لبدء إسرائيل علمياتها العسكرية في إيران، فجر أمس الجمعة، توعدت طهران “برد قاس”، وقال الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في بيان، “أطلق الكيان الصهيوني يده الخبيثة والدموية في جريمة ضد إيران وكشف عن طبيعته الخسيسة. بهذا الهجوم، كتب الكيان الصهيوني لنفسه مصيراً مريراً، وسيلقاه بالتأكيد”، كما حث الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الإيرانيين على الوقوف إلى جانب قادتهم، وقال إن رداً قوياً “سيجعل إسرائيل تندم على عملها الأحمق”.
هو الآخر توعد القائد الجديد للحرس الثوري الإيراني محمد باكبور بفتح “أبواب جهنم” قائلاً إن “الجريمة التي ارتكبها اليوم الكيان الإرهابي الصهيوني… لن تمر من دون رد” وستترتب عليها “تبعات جسيمة ومدمرة”، مضيفاً “سنفتح قريباً أبواب جهنم في وجه هذا الكيان القاتل للأطفال”. وأتى ذلك في رسالة وجهها باكبور إلى مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، ونشرتها وسائل إعلام محلية، بعد ساعات من تعيينه قائداً للحرس خلفاً لحسين سلامي الذي قتل في الهجوم الإسرائيلي.
سيناريوهات تصعيدية “مقيدة”
في وقت تشير في غالب التقديرات والترجيحات باستمرار المواجهة الراهنة لا سيما مع إصرار إسرائيل على المضي قدماً نحو تحقيق أهدافها في “منع طهران من صنع سلاح نووي والقضاء على قدراتها العسكرية”، وتعهد الأخيرة عدم التخلي عن الدفاع عن نفسها وحماية مصالحها القومية، تثار المخاوف من احتمالات أن تخطئ حسابات الأطراف مما ينذر باتساع جبهة الصراع على مستوى الإقليم لا سيما مع إعلان إيران عزمها توسيع عملياتها لتشمل القواعد الأميركية في المنطقة خلال الأيام المقبلة.
خيارات الردود الإيرانية وسيناريوهات التصعيد، استبعدها المحلل السياسي لشؤون الشرق الأوسط في صحيفة “نيوزويك” ومجلة “فورين بوليسي” الأميركية جوزيف إبستين، في حديثه معنا مرجحاً ألا تؤدي جولة تبادل الضربات المتبادلة الراهنة إلى حرب إقليمية قائلاً “احتمالات أن تؤدي هذه الضربات إلى حرب أوسع نطاقاً كما يحذر كثر ضئيلة للغاية. فإيران ببساطة لا تملك القدرة على ذلك، وعليه أتوقع تهدئة سريعة بعدما ترد إيران في محاولة منها لحفظ ماء الوجه بعيد الضربة التي تلقتها”.
الأمر ذاته رجحه المتخصص الاستراتيجي المصري اللواء سمير فرج، قائلاً في حديثه لنا، “لا نزال في مرحلة تبادل الضربات بصورتها التقليدية سواء من الجانب الإيراني أو الجانب الإسرائيلي”، موضحاً “في وقت لم نستطع فيه بعد تقييم نتائج الاستهدافات الإسرائيلية لإيران وحجم الأضرار التي لحق بقدراتها العسكرية، إلا أنه يجب عدم تغافل أن إسرائيل لم تستهدف بعد البنية التحتية والاقتصادية لإيران، الذي يبقى ضمن حسابات التعاطي الإيرانية في الرد على إسرائيل”.
ويتابع فرج “أي رد إيراني سيتوقف على حجم الأضرار التي تعرضت لها”، محذراً من خطورة أن يتبادل الأطراف بصورة واسعة البرامج النووية لديهما، قائلاً “الخوف الأكبر أن يحدث هجوم نوعي على أي من الأهداف النووية لدى الطرفين ويحصل تسرب إشعاعي، مما لا يزال حتى الآن تحت السيطرة”.
AFP__20250614__62CR2T4__v1__Preview__IranIsraelConflict.jpg
تشير غالب التقديرات والترجيحات إلى استمرار المواجهة الراهنة لا سيما مع إصرار إسرائيل على المضي قدماً في عملياتها وتعهد طهران عدم التخلي عن الدفاع عن نفسها وحماية مصالحها القومية (أ ف ب)
وبينما يرجح فرج أن تهدأ المواجهة في الأيام المقبلة، مع دخول بعض الأطراف الدولية الوسيطة للوصول لحلول سياسية ودبلوماسية للصراع المتفجر، يشير مراقبون آخرون لاحتمالات لجوء إيران إلى التصعيد عبر شبكة حلفائها الإقليميين، على رغم ضعفهم فإنهم لا يزالون يمتلكون قدرة على تنفيذ عمليات انتقامية ضد أهداف إسرائيلية أو أميركية، سواء داخل إسرائيل أو في مناطق النفوذ الأميركي لا سيما في العراق واليمن، وذلك لأسباب استراتيجية وأيديولوجية تربطهم بطهران. ويوجه هذا الخيار تحدياً بعدما أضعفت إسرائيل على مدار العام ونصف الماضيين الجماعات المتحالفة مع طهران.
كما يحذر البعض من احتمالات أن تلجأ طهران لإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي الواقع بين عمان وإيران، الذي يعد أهم بوابة لشحن النفط في العالم، إلا هذا السيناريو من شأنه أن يوسع دائرة الحرب في المنطقة، ويستدعي تدخل قوى كبرى في مواجهة إيران.
من جانبه ووفق ما كتب أمير تيبون، في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، فإن التصعيد بين طهران وتل أبيب بات أمراً شبه مؤكد، لكن مدى خطورة الوضع سيتحدد بناء على ثلاثة مسارات رئيسة، أولها معرفة مدى حجم الضرر الذي ألحقته إسرائيل ببرنامج إيران النووي وتدمير قدرات طهران النووية، وثاني هذه الأمور هو حدود وقدرة الرد الإيراني، فيما يمثل آخرها دور الولايات المتحدة الأميركية المرتقب في الصراع، معتبراً أنه حتى لو لم تكن واشنطن قد شاركت بصورة مباشرة في الهجوم الإسرائيلي على إيران، فإن دعمها العلني لتل أبيب أو تقاعسها عن منع الهجوم على طهران قد يعد في حد ذاته تأييداً ضمنياً، مما يعقد المشهد.
هل من مخرج للأزمة؟
مع تبادل إسرائيل وإيران الضربات والاستهدافات، كان لافتاً حديث الرئيس الأميركي دونالد ترمب بدعوة طهران الإسراع في الوصول لاتفاق معه “قبل ألا يبقى هناك شيء” محذراً من أن “الضربات المقبلة (على إيران) ستكون أكثر عنفاً”، مما عكس احتمالات وجود مخرج دبلوماسي وسياسي لإنهاء الصراع بين الطرفين.
لكن أمام تعقد الحسابات على المستويين الداخلي والخارجي بالنسبة إلى إيران بعيد الضربات الإسرائيلية، يبقى السؤال في شأن مدى إمكانية تقديم طهران تنازلات كبيرة في ما يتعلق ببرنامجها النووي والصاروخي لوقف الحرب، لا سيما بعد إعلان وزير خارجيتها عباس عراقجي أنه “لا مبرر لاستمرار المفاوضات غير المباشرة بين بلاده والولايات المتحدة في ظل استمرار سلوك إسرائيل الهمجي”، وذلك قبل جولة مفاوضات سادسة كانت مقرراً لها غداً في سلطنة عمان.
اقرأ المزيد
غارات وصواريخ بين “الأسد الصاعد” الإسرائيلية و”الوعد الصادق” الإيرانية
كواليس الساعات الماضية: ماذا حدث في إيران قبل أن تهجم إسرائيل؟
سقوط “وهم” الردع الإيراني
هل تجهض الضربات الإسرائيلية القدرات النووية الإيرانية؟
وفق ما كتبه توماس فريدمان في صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، فإنه “من السابق لأوانه، ولأن النتائج المحتملة متعددة للغاية، أن نقول كيف ستتغير لعبة الأمم في الشرق الأوسط بسبب الصراع الإسرائيلي-الإيراني”، معتبراً أن “كل ما يمكن قوله الآن هو أن الاحتمال الإيجابي للغاية، وهو أن هذا يحرك سلسلة من الدومينو تنتهي بإسقاط النظام الإيراني واستبداله بنظام أكثر ليبرالية وعلمانية وتوافقية والاحتمال السلبي للغاية وهو أن يشعل هذا الصراع المنطقة بأكملها ويدفع الولايات المتحدة إلى التدخل، كلاهما مطروح على الطاولة، وأن بين هذين الطرفين، لا يزال هناك احتمال أوسط وهو حل تفاوضي”، لكنه لن يستمر طويلاً، على حد وصفه.
وقال فريدمان، إن الرئيس الأميركي ترمب استخدم الهجوم الإسرائيلي بمهارة ليقول للإيرانيين بصورة غير مباشرة، “لا أزال مستعداً للتفاوض على إنهاء برنامجكم النووي سلمياً، وربما ترغبون في التوجه إلى هناك بسرعة لأن نتنياهو مجنون أنتظر اتصالكم”. مضيفاً أن “ما يجعل هذا الصراع بين إيران وإسرائيل عميقاً هو تعهد إسرائيل هذه المرة بمواصلة القتال حتى تقضي على قدرة إيران على صنع الأسلحة النووية بأي طريقة كانت، وإذا نجحت إسرائيل في إلحاق ضرر كاف بالمشروع النووي الإيراني لإجباره على وقف عمليات التخصيب موقتاً في الأقل، فسيكون ذلك مكسباً عسكرياً مهماً لإسرائيل، مما يبرر العملية”، إلا أنه تابع “إذا فشلت إسرائيل في هذه المحاولة وأعني بالفشل أن يخرج هذا النظام الإيراني مصاباً لكنه لا يزال قادراً على إعادة بناء قدرته على صنع سلاح نووي ومحاولة السيطرة على العواصم العربية فقد يعني ذلك حرب استنزاف بين تل أبيب وطهران. وهذا سيجعل المنطقة أكثر عدم استقرار من أي وقت مضى، مما يؤدي إلى أزمات نفطية حادة وربما يدفع إيران إلى توسيع دائرة الانتقام بالمنطقة، وهو ما قد يجبر إدارة ترمب على التدخل، وربما بهدف ليس فقط إنهاء تلك الحرب، بل إنهاء هذا النظام الإيراني”.
وأمس الجمعة، قال الرئيس ترمب إن إيران هي من تسببت في الهجوم برفضها المهلة الأميركية في المحادثات الرامية إلى كبح برنامجها النووي. ونقل عنه قوله في مقابلة مع “أي. بي. سي نيوز” أعتقد أنه (الهجوم) ممتاز. منحناهم فرصة ولم يغتنموها. تلقوا ضربة قاسية، قاسية جداً. تعرضوا لضربات قوية للغاية. وهناك كثير في المستقبل. كثير جداً”. وأضاف في منشور على منصة “تروث سوشيال” “قبل شهرين، منحت إيران إنذاراً نهائياً مدته 60 يوماً لإبرام اتفاق كان عليهم أن يفعلوا ذلك! اليوم هو اليوم 61… والآن، لديهم، ربما، فرصة ثانية”.

التعليقات معطلة.