الليلة الأخيرة للحرب.. هل أعطى «المرشد» الضوء الأخضر لـ«الفصائل»؟!
بغداد/ تميم الحسن
قررت الحكومة فتح تحقيق في هجمات طالت أمس قواعد عسكرية في وسط وجنوبي البلاد، فيما لم تعلن أي جهة مسؤوليتها حتى الآن.
وتسبب الهجوم، الذي نُفذ بطائرات مسيّرة «مجهولة»، في تدمير أكثر من «رادار» عسكري.
ويُعتقد أن أحد «الرادارات» المستهدفة اشتراه العراق مؤخرًا ضمن صفقة مع دولة أوروبية بأكثر من 100 مليون يورو.
وصباح أمس الثلاثاء، أمر القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بتشكيل لجنة للتحقيق في الاعتداء على مواقع وقواعد عسكرية.
وقال الناطق الرسمي باسم القائد العام، صباح النعمان، في بيان أمس، إنه «في اعتداءٍ غادر وجبان، وفي تمام الساعة 02:15 وحتى الساعة 03:45 من هذا اليوم، استهدفت مجموعة من الطائرات الانتحارية المسيّرة الصغيرة عددًا من المواقع والقواعد العسكرية العراقية، وأدى هذا الاستهداف إلى إحداث أضرار كبيرة بمنظومتي الرادار في معسكر التاجي شمال بغداد، وقاعدة الإمام علي (عليه السلام) في محافظة ذي قار، دون وقوع أية ضحايا بشرية».
ليلة إسقاط الرادارات
وتتضارب المعلومات بشأن «الرادار» المستهدف في تلك العمليات، بين أن يكون «رادارًا أمريكيًا» قديمًا، أو «الفرنسي» الجديد.
ورجحت بعض المصادر أن إحدى الطائرات التي هاجمت «التاجي» استهدفت رادارًا جديدًا من طراز (TPS-77)، وهو من إنتاج شركة «لوكهيد مارتن» الأمريكية العملاقة، ولم يكن قد دخل الخدمة بعد.
ويُفترض أن العراق يمتلك رادارين آخرين من هذا الطراز يغطيان أجزاءً محدودة من سماء البلاد بفاعلية.
ويُعد رادار (TPS-77) مثاليًا للحدود والمواقع المتقدمة نظرًا لقابليته للنقل، ويتميز بقدرته على مسح وتغطية مساحات شاسعة، وكشف وتتبع الطائرات المسيّرة وصواريخ كروز.
وقد تم التعاقد على شرائه منذ عام 2020، مما يثير تساؤلات حول سبب عدم تفعيله واستخدامه حتى الآن، وفقًا لخبراء أمنيين.
بالمقابل، قالت معلومات أخرى إن «الرادار» المستهدف قد يكون «فرنسيًا»، ضمن صفقة عقدت مؤخرًا مع باريس.
وكانت قيادة الدفاع الجوي قد أعلنت في أيلول 2023 عن تشغيل أول رادار فرنسي متطور في العراق.
وذكرت القيادة في بيان حينها، أنه «تم تشغيل أول رادار فرنسي من طراز GM400 بعد مدة قصيرة من دخوله العراق».
وفي آب من ذلك العام، كشفت خلية الخبراء التكتيكية (Tactical Cell) عن تفاصيل ونوعية الرادارات الفرنسية التي تستعد الحكومة العراقية للتعاقد عليها.
والخلية هي مرصد أمني وعسكري عراقي مستقل، تأسس عام 2014، ويقدم دراسات وتحليلات أمنية محايدة لدعم القوات المسلحة العراقية.
وأشارت الخلية في منشور على صفحتها في «فيسبوك» إلى «موافقة مجلس الوزراء العراقي على تمويل أكبر صفقة رادارات للعراق منذ عقود، سيتم توقيعها مع شركة (تاليس) الفرنسية، بغية تعزيز قدرات المنظومة الدفاعية العراقية». ورجّحت أن العقد بلغ «100 مليون يورو».
وبيّنت أن «الرادارات من طراز (Ground Master GM 400 Radar 3D)، وهي ذاتها الرادارات الحديثة التي كان العراق قد تعاقد عليها قبل عام».
ونوّهت الخلية إلى أن «الصفقة تضمنت في مرحلتها الأولى شراء أربعة رادارات، لكن عراقيل أوقفت إتمام المرحلة الثانية من الصفقة، التي تتضمن شراء 14 رادارًا آخر».
وأوضحت أن «الرادار (Ground Master 400GM) من أحدث الرادارات في العالم، وهو رادار ثلاثي الأبعاد، بعيد المدى، مخصص لكشف الأهداف الجوية المتوسطة والعالية الارتفاع، يستخدم للدفاع الجوي، ويمكن أن يكون ثابتًا أو متحركًا، كما تعاقد عليه العراق سابقًا، ويكون محمولًا على شاحنات ألمانية طراز MAN، ويصل مداه إلى 470 كم على نطاق تردد S-Band، كاشفًا الطائرات، وصواريخ كروز الجوالة، والصواريخ الباليستية التكتيكية».
وواجهت الحكومة العراقية اختبارًا محرجًا، في ظل استمرار اختراق الطيران الإسرائيلي لأجواء البلاد، بحسب بيانات الحكومة، وهو ما يكشف خللًا واضحًا في منظومة الدفاع الجوي العراقية.
تشكيل لجنة
وقالت الحكومة في البيان الأخير إن «القوات العراقية تمكنت من التصدّي وإحباط جميع محاولات الاعتداء الأخرى على أربعة مواقع في أماكن مختلفة، والتعامل مع الطائرات المسيّرة وإسقاطها، بعد أن كانت تروم استهداف هذه المواقع»، لافتةً إلى أن «جميع المواقع المستهدفة هي مواقع عسكرية تابعة للقوات الأمنية العراقية بشكل كامل، ومسؤول عنها ويقوم على إدارتها ضباط ومنتسبون من تشكيلات قواتنا الأمنية البطلة».
وبيّن النعمان أنه «على إثر هذا الاعتداء السافر، أمر رئيس مجلس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني، بتشكيل لجنة فنية واستخبارية عالية المستوى، تضم ممثلين عن الأجهزة الأمنية المعنية كافة، للتحقيق في ملابسات هذا الاعتداء، وكشف الجهات المنفذة له، ومتابعة نتائج التحقيق بشكل كامل»، مشيرًا إلى أن «هذه الأفعال الإجرامية الغادرة لن تمر دون عقاب، وستبقى قواتنا المسلحة درع العراق الحصين في الدفاع عن شعبنا وترابه وسيادته».
وجاءت الهجمات قبل ساعات فقط من سريان وقف إطلاق النار لحرب «الـ12 يومًا» بين إيران وإسرائيل.
وسبق بيان الحكومة تأكيدات من قائد عمليات بغداد، وليد التميمي، عن هجوم تعرض له معسكران شمال العاصمة.
وقال التميمي في تصريحات صحفية إن: «طائرة مسيّرة مجهولة استهدفت أحد المواقع في معسكر التاجي، ولا توجد خسائر بشرية».
من وراء الهجمات؟
ورغم أن أي جهة لم تعلن مسؤوليتها عن تلك الهجمات، إلا أن الحوادث تشبه إلى حد كبير عمليات سابقة كانت تُتهم بها «الفصائل» خلال السنوات السبع الأخيرة.
وبحسب عباس العرداوي، وهو مقرّب من «الفصائل»، فإن أحد الهجمات كان قد استهدف سلاحًا «ساعد إسرائيل».
وقال العرداوي في تغريدة على منصة «إكس»، عقب الضربات التي طالت معسكرات عراقية: «ماكو شي، رادار فرنسي بقاعدة التاجي قدم خدماته بالعدوان الإسرائيلي.. تمت إحالته للسكراب».
وكانت أجنحة «الفصائل» السياسية في البرلمان قد انتقدت الحكومة قبل أيام بسبب «ضعف منظومة الدفاع الجوي».
وكتب هادي السلامي، وهو نائب مستقل ومقرّب من مجموعة «الإطار التنسيقي»، منشورًا بالتزامن مع قصف إيران لقاعدة أمريكية في قطر مساء الاثنين، طالب فيه بضرب مواقع داخل العراق.
واضطر السلامي، وهو نائب عن النجف وضمن الفريق الذي يمكن وصفه بـ»اليمني» داخل التحالف الشيعي، إلى حذف المنشور، بعدما أشار إلى ضرب قواعد في أربيل و»عين الأسد» غربي الأنبار.
وكانت «الفصائل» قد صرّحت، قبل ساعات من حوادث المعسكرات، بأنها تقوم بـ»حسابات دقيقة بعيدة عن العواطف» بشأن الرد على أمريكا بعد قصف المفاعلات الإيرانية الثلاثة.
وقالت بعض تلك الأجنحة المسلحة في تصريحات تلفزيونية، إن طهران «ليست بحاجة إليها»، لكنها «ما تزال بانتظار أوامر المرشد الإيراني»، على حدّ تعبيرها.