ترامب يطفئ الحرائق… ويترك الجمر مشتعلًا
الحرب بين إيران وإسرائيل، التي دامت اثني عشر يومًا، لم تنتهِ باتفاق حقيقي أو تسوية شاملة، بل بتوقف مفاجئ جاء بأمر مباشر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب. هذا التدخل، الذي وصفه البعض بـ”وقف إطلاق النار دون أرضية”، لم يُنقذ المنطقة من شبح الانفجار، بل جمّد النار تحت الرماد. فالهدنة التي فرضها ترامب هي هدنة هشة، بلا ضمانات، وبلا مشروع سلام واضح، في وقت تشير فيه تقارير استخبارية إلى إمكانية تجدد المواجهة في أي لحظة.
وليس هذا السيناريو غريبًا على سياسة ترامب الخارجية؛ فهو الرئيس الذي ساعد في كبح تصعيد عسكري بين الهند وباكستان، لكنه فشل في إنهاء النزاع التاريخي بينهما. والآن، يحاول اعتماد المقاربة نفسها في منطقة هي الأكثر اشتعالًا: الشرق الأوسط، الذي يقف على حافة تحولات تاريخية قد تقلب خرائط النفوذ بالكامل.
الشرق الأوسط… ساعة الصفر تقترب
في المنطقة، تتقاطع المصالح وتتزاحم المحاور: محور طهران والمقاومة، محور تل أبيب والتطبيع، ومشاريع جديدة تسعى لتفكيك القديم وبناء هندسة إقليمية بديلة. ومع كل هذا، يعتقد ترامب أنه قادر على فرض “سلام بالإكراه”، دون مخاطبة الجذور، ودون احترام توازنات القوى المحلية.
اتفاق غزة الذي أُعلن مؤخرًا، والذي يفترض أن تتسلم فيه بعض الدول العربية إدارة القطاع، لا يملك قبولًا شعبيًا ولا شرعية سياسية، بل هو حل تقني لإخراج حماس، دون معالجة الاحتلال، أو حق العودة، أو إقامة الدولة الفلسطينية. هذا النوع من الحلول الفوقية لا يصمد طويلًا في وجه تحولات ميدانية عميقة، وهو أشبه بزجاج هش في منطقة تضربها العواصف.
ترامب في مرمى النار
ترامب، رغم ظهوره القوي على الساحة الدولية، يواجه تحديات متزامنة:
تصعيد روسي في أوكرانيا.
تمدد صيني في بحر الصين الجنوبي.
تحركات إيرانية إقليمية متسارعة.
هشاشة التفاهمات مع الحلفاء الأوروبيين.
كل ذلك يحدث بينما يحاول إدارة الملفات المعقدة بمنطق “الضربة ثم التفاوض”، وهي سياسة لا يمكنها الصمود طويلًا في عالم خرج من مرحلة القطب الواحد ودخل طور الصراع المفتوح على الزعامة.
المنطقة تنذر بالعاصفة… وترامب لا يملك المظلة
العالم لا يسير نحو السلام، بل يتجه نحو لحظة حاسمة. الشرق الأوسط قد يشهد حربًا إقليمية واسعة، لا تشبه حروب الوكلاء الماضية، بل مواجهة مباشرة بين القوى الكبرى ومَن خلفها. وإذ يقدّم ترامب نفسه كقائد للتهدئة، فإن المعادلات الواقعية تقول إن النار تقترب أكثر من أي وقت مضى .
ترامب لا يستطيع أن يوقف الزلزال وهو يتجاهل تصدعات الأرض. سياسة “الإطفاء اللحظي” قد تمنع اشتعال الحريق مؤقتًا، لكنها لا تعالج الجفاف ولا تمنع الصواعق القادمة.
إن السلام الحقيقي يحتاج شجاعة في الاعتراف بالأسباب، لا فقط في التحكم بالنتائج. ومن دون رؤية عادلة، ومشروع واقعي، فإن من يحاول الظهور كرجل السلام اليوم، قد يُسجَّل في التاريخ كرجل العجز عن مواجهة الحقيقة .