حرب بلا منتصر.. وخديعة كبرى لشعوب تحت النار 

15

 

 

رغم كل الضجيج العسكري والتصعيد السياسي، يبدو أن الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران لم تحقق أيًا من الأهداف الكبرى التي رفعت رايتها كل من تل أبيب وطهران، بل يمكن القول إنها أزاحت الستار عن عمق الوهم الذي كان يُسوّق للشارع في كلا البلدين، وكشفت هشاشة الخطابات والشعارات أمام حسابات المصالح والمخاوف والتوازنات الدولية.

إسرائيل.. فشل في كبح التهديدات الكبرى

لم تنجح إسرائيل، رغم الضربات الجوية المكثفة والعمليات النوعية، في تحييد التهديدات التي لطالما وصفتها بـ”الوجودية”. فالبرنامج النووي الإيراني لم يُدمّر، بل إن طهران نفسها أخلته طواعية من اليورانيوم المخصب – خطوة تبدو للوهلة الأولى وكأنها إنجاز إسرائيلي، لكنها في عمقها تعكس توافقًا إيرانيًا أمريكيًا محكمًا لتجنب تفجير إقليمي شامل، لا إنجازًا ميدانياً لتل أبيب.

كذلك، لم تستطع إسرائيل وقف قدرات الصواريخ الباليستية الإيرانية، ولم تقترب حتى من تحجيم أذرع طهران في العراق واليمن ولبنان. وعلى الصعيد السياسي، لم تفلح في كسر نفوذ إيران المتنامي داخل الإقليم، كما أخفقت في زعزعة النظام الإيراني أو دفعه نحو الانهيار الداخلي، وهو ما كانت تأمل به قيادات إسرائيلية في بداية المواجهة .

إيران.. هزيمة سياسية وعسكرية مغلّفة بالشعارات

في الجانب الآخر، سقطت طهران في اختبار الشعارات. فـ”كسر شوكة إسرائيل” لم يتحقق، و”تحرير القدس” تحوّل مجددًا إلى شعار خاوي، لا يملك سوى الاستهلاك المحلي. أما الموقف الإيراني الأخير، بإبلاغه واشنطن مسبقًا بهجومه على قاعدة العديد في قطر، فقد بدّد ما تبقى من رمزية “محور المقاومة”، وأكد مرة أخرى عمق التنسيق الإيراني الأمريكي حين تمسّ الحاجة، لاسيما عندما يتعلق الأمر بتفادي الحرب المفتوحة .

هذا التصرف لم يُفقد طهران فقط جزءًا كبيرًا من مصداقيتها أمام شعوب المنطقة، بل عمّق أيضًا السخط داخل الشارع الإيراني، الذي بات يرى بوضوح الاستهانة بدماء أبنائه، وتسويق الحرب من أجل ترسيخ النظام لا نصرة القضايا.

اتفاق هش وسلام مضطرب

ما انتهت إليه الحرب هو هدنة هشة واتفاق مبهم لا يمتلك مقومات الديمومة. فقد انكشفت هشاشة الوضعين الداخليين في إيران وإسرائيل، وبرزت الأسئلة الصعبة التي تطرحها الشعوب: “على ماذا بدأنا الحرب؟ وعلى ماذا انتهت؟”

كلا النظامين خرجا مثقلين بالأسئلة والشكوك، وكل منهما يحاول إقناع شعبه بأنه المنتصر، بينما الحقائق على الأرض تقول العكس. لا مكاسب حقيقية، ولا تغير في موازين القوى، بل المزيد من التآكل الداخلي والمخاطر المتصاعدة، وسلام هش قد لا يصمد أمام أول شرارة جديدة .

 

إذا كانت هذه الحرب قد علمتنا شيئًا، فهي أن الأنظمة التي تبني شرعيتها على الصراع، وتعيش على وهم الانتصارات الكبرى، لن تقوى على تبرير الفشل عندما يتكشف زيف الشعارات. إن الشرق الأوسط على مفترق طرق حقيقي، والمرحلة القادمة ستشهد على الأرجح تحولات كبرى، لا بفعل الشعارات، بل من داخل الشعوب التي بدأت تستفيق على السؤال المرير: من خدعنا؟ ولماذا؟

 

 

التعليقات معطلة.