الأمن القومي العربي في خطر

12

 

 

 

 تحديات داخلية واختراقات خارجية تهدد وحدة المصير العربي

 

  الأمن القومي العربي لم يعد مجرد مفهوم نظري يُطرح في مؤتمرات القمم أو بيانات التضامن، بل تحوّل إلى تحدٍ وجودي مع تزايد الأزمات والصراعات التي تضرب العمق العربي من الداخل والخارج. من انهيار دول إلى تفكك الجيوش، ومن تغوّل الميليشيات إلى التدخلات الإقليمية والدولية، تتعرض المنظومة العربية لتهديدات بنيوية غير مسبوقة، وسط غياب مشروع جماعي موحّد يحمي المصالح المشتركة ويصون الهوية.

أولاً: تفكك الدولة الوطنية وغياب القرار السيادي عدد من الدول العربية أصبح يعيش إما في ظل حكومات ضعيفة غير قادرة على بسط سيادتها، أو تحت رحمة الفوضى المسلحة. ليبيا واليمن وسوريا أمثلة صارخة على دول أصبحت ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، وغابت فيها الدولة المركزية. كما أن القرار السيادي في بعض العواصم أصبح مرتهنًا لقوى غير عربية، بما يجعل الأمن القومي العربي مشرّع الأبواب أمام الاختراقات.

ثانيًا: الصراعات البينية وانعدام الثقة بين الأنظمة بدل أن يكون الخطر الخارجي حافزًا للوحدة، أصبح الانقسام العربي نفسه مصدر تهديد دائم. تعاني الدول العربية من حالة انعدام ثقة متبادلة، وتتنافس على النفوذ بدلًا من أن تتكامل في المصالح. ومن المأساوي أن تجد بعض العواصم نفسها أقرب إلى قوى إقليمية غير عربية من قربها إلى جيرانها العرب، ما يعكس حجم التصدع في البنية السياسية الإقليمية.

ثالثًا: المشروع الإيراني والتركي والإسرائيلي… والتواطؤ الدولي تتسابق قوى إقليمية غير عربية – إيران، تركيا، وإسرائيل – على فرض نفوذها داخل الجغرافيا العربية، مستغلة الفوضى السياسية والتشظي الأمني. فإيران تنشر ميليشياتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتُهدد الأمن الخليجي. تركيا تُدخل قواتها في شمال سوريا والعراق وتتمدد اقتصاديًا في ليبيا. أما إسرائيل، فتنفّذ ضربات عسكرية دون رادع، وتطبّع بهدوء مع دول عربية لتوسيع نطاق نفوذها، بدعم دولي مكشوف.

رابعًا: هشاشة المنظومات الدفاعية والإستراتيجية ما يُسمّى بـ”المنظومة العربية للأمن المشترك” لم تعد فاعلة، ولا تملك آلية ردع جماعية. الجامعة العربية غائبة عن الملفات الجوهرية، وتحوّلت أغلب اتفاقيات التعاون الدفاعي إلى مجرد أوراق بلا تنفيذ. وحتى المشاريع الطموحة مثل “الدرع العربي” أو “التحالفات الأمنية الخليجية” لا تشمل كل العرب، ولا تعالج جذور الخلل الاستراتيجي.

خامسًا: الإعلام والأمن الفكري… ثغرة مفتوحة إلى جانب الأمن العسكري والسياسي، يتعرض الأمن الفكري والثقافي العربي إلى اختراق واسع. فالإعلام الموجّه، والحملات الرقمية، والترويج لأفكار الهدم والتطرف، كلها أدوات تُستخدم لهدم الهوية العربية وزرع الشكوك داخل المجتمعات. ومع غياب مشروع ثقافي موحد مضاد، تبقى المجتمعات العربية عرضة للتفكيك من الداخل.

خاتمة: الأمن القومي العربي ليس مجرد ملف إقليمي، بل قضية بقاء. وإذا لم تعِ النخب والأنظمة العربية خطورة اللحظة، فقد نجد أنفسنا أمام مشهد تتلاشى فيه الحدود والمفاهيم، وتُختطف فيه الدول قطعة قطعة. لا بد من مشروع عربي جريء وشجاع يعيد بناء مفهوم “المصلحة المشتركة” ويُحيي فكرة المصير الواحد، لأن البديل هو مزيد من التفكك والانكشاف أمام أطماع الآخرين .

التعليقات معطلة.