في ظل تصاعد الأزمات وتنامي الهويات الفرعية في مجتمعاتنا، تبرز الحاجة الملحّة إلى إعادة الاعتبار لما يُعرف بـ”العقيدة الوطنية”، باعتبارها الإطار الجامع الذي يحفظ وحدة الشعوب، ويصون الدولة من التفتت والانقسام. فالعقيدة الوطنية ليست شعارًا فضفاضًا، بل هي منظومة متكاملة من المبادئ والقيم التي تنبع من إيمان عميق بأن الوطن هو الكيان الأسمى، والمرجعية العليا، والمظلة التي تتساوى تحتها جميع الانتماءات.
إن العقيدة الوطنية تقوم على فكرة المواطنة المتساوية، التي تُلغي الامتيازات الطائفية والعرقية، وترسّخ شعورًا عامًا بالانتماء إلى دولة مدنية قائمة على القانون، والمؤسسات، والتعددية، لا على المحاصصة أو الولاءات الفئوية.
لماذا العقيدة الوطنية مهمة؟
لأنها تشكل الدرع الواقية ضد الانقسامات الداخلية.
لأنها تخلق هوية جامعة تتجاوز الهويات الضيقة.
لأنها ترسّخ الاستقرار السياسي، وتعزز شرعية الدولة ومؤسساتها.
لأنها تمنع الاستغلال الخارجي للمكونات الوطنية عبر زرع الفتن والانقسامات.
في هذا السياق، لا بد من التمييز بين العقيدة الوطنية والعقائد الطائفية أو الحزبية التي تُنتج واقعًا مشوّهًا تتغلب فيه الهويات الضيقة على المصلحة الوطنية العليا. فبينما تؤسس العقيدة الوطنية لحالة من الانسجام المجتمعي، والاستقرار السياسي، والسيادة الوطنية، تُنتج العقائد الفئوية بيئة خصبة للتنازع والارتهان لقوى الخارج.
ولعل ما تشهده بعض دول المنطقة من أزمات متكررة، يعود في جوهره إلى غياب هذه العقيدة الجامعة، وتغوّل الخطابات التي تُقدّم الانتماء للمذهب أو القومية أو العشيرة على حساب الانتماء للدولة.
إن ترسيخ العقيدة الوطنية يتطلب مشروعًا وطنيًا شاملاً، يبدأ من المناهج التعليمية، ويمر عبر الإعلام، وينعكس في سلوك الدولة ومؤسساتها، وصولًا إلى بناء ثقافة عامة تُعلي من شأن الوطن، وتُقصي كل خطاب يدعو للتفريق أو التمييز أو الكراهية.
إنها معركة وعي، وليست فقط معركة سياسة. ومن دون عقيدة وطنية راسخة، لا يمكن بناء دولة عادلة، ولا تحقيق سلم مجتمعي مستدام .