السوشيال ميديا: مرآة المزاج الشعبي ومُحدّد السياسات الدولية

17

 

 

في زمنٍ لم تعد فيه الجغرافيا أو الحكومات وحدها تتحكم في صناعة القرار، برزت السوشيال ميديا كأداة غير تقليدية، لكنها مؤثرة إلى حدّ بعيد. لم تعد فقط منصةً للتعبير أو التنفيس، بل تحولت إلى رادار دقيق ترصد من خلاله القوى العظمى المزاج الشعبي، وتعيد ترتيب أولوياتها السياسية بناءً على ما يظهر من تفاعلات وتحولات في الوعي الجمعي للشعوب.

 

أولاً: منبر الشعوب وصندوق أفكارهم

لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي مجرد وسيلة ترفيه، بل أصبحت مسرحًا لعرض مواقف الناس الحقيقية دون فلترة، وخاصة في المجتمعات التي تُحكم بقبضة أمنية أو رقابة إعلامية مشددة. هنا، تكمن قيمة هذه المنصات: فهي تكشف للعالم الخارجي ما لا تقوله الصحف الرسمية، وتُبرز حجم السخط أو الرضا الشعبي بشكل آني ومباشر.

 

ثانياً: دوائر القرار ترصد وتتفاعل

لا تخدع نفسك باعتقاد أن تغريدتك تافهة، أو أن منشورك عابر. فدوائر القرار العالمية، من السفارات إلى مراكز الدراسات الاستراتيجية ، باتت ترصد المزاج الشعبي من خلال “الترند”، و”الهاشتاغ”، وتحلل نسب التفاعل، واتجاهات الرأي، وتضعها ضمن تقارير موجهة لصانعي القرار.

ولعلنا نتذكر كيف غيّرت صورة أو فيديو واحد مجريات ملفات دولية، مثلما حدث في “الربيع العربي”، أو في قضايا مثل مقتل جورج فلويد، أو الحرب على غزة، حيث غيّر الضغط الشعبي الإلكتروني طريقة تعاطي بعض الحكومات مع الحدث .

 

ثالثاً: الشعب يصنع التأثير إذا امتلك الوعي

المعادلة اليوم واضحة: كلما ارتفع وعي الشعوب، ازدادت أهمية صوتها على السوشيال ميديا، وارتفعت كلف تجاهلها على صانع القرار. فالدول الكبرى لم تعد تقرأ المواقف الرسمية فقط، بل توازنها بما يكتبه الناس، وتبني قراراتها وفق درجة الوعي الجمعي الذي يطفو في العالم الرقمي.

وبالتالي، فالمسؤولية على الشعوب أكبر مما يُعتقد: فكل منشور واعٍ قد يغيّر ميزانًا، وكل خطاب عاطفي فارغ قد يُحسب عليهم لا لهم .

 

السوشيال ميديا لم تعد مجرد مساحة شخصية، بل تحولت إلى مرآة دقيقة لقياس المزاج العام، وساحة ضغط تؤثر حتى في حسابات الدول الكبرى. ومن هنا، فإننا بحاجة إلى وعي جمعي يدرك أن ما يُنشر في هذا العالم الافتراضي، قد يُترجم يومًا إلى سياسات واقعية تمس حاضرنا ومستقبلنا.

فاحذر مما تكتب… فقد يكون “منشورك” اليوم، هو “وثيقة قرار” في أروقة السياسة غدًا.

التعليقات معطلة.