الجوع في زمن الكارثة

7

يونس السيد – الخليج الإماراتية
   

يلخص مشهد سقوط الناس في شوارع غزة مغشياً عليهم من شدة الجوع، حالة غير مسبوقة في التاريخ الحديث، في ظل عجز دولي بات يعبر عن نفسه في انهيار النظام الدولي بكل مؤسساته وقوانينه، ويثير أسئلة كثيرة حول صلاحيته وقدرته على البقاء في خدمة الأمم غير المتحدة التي أنشئ من أجلها.
كان طموح المجتمع الدولي أن يتم القضاء على الجوع في العالم بحلول عام 2030، وهي غاية نبيلة وضعها التحالف العالمي لمكافحة الجوع والفقر التابع لمجموعة العشرين في البرازيل، لكن التقرير السنوي لعام 2024، والذي أطلقه فريق العمل الوزاري لهذا التحالف جاء مخيباً للآمال. فبدلاً من تحقيق هذا الهدف، حذر من أن العالم يتخلف بشكل كبير عن تحقيق هدف التنمية المستدامة في عام 2030، مشيراً إلى أن العالم تراجع 15 عاماً إلى الوراء. والنتيجة أن هناك ما بين 700 إلى 800 مليون شخص في العالم يعانون الجوع المزمن، و2.3 مليار شخص من انعدام الأمن الغذائي، بحسب ما جاء في التقرير الدولي.
نسوق هذا التقرير لتأكيد أن هناك الملايين في العالم لا يزالون يعانون الجوع، خصوصاً في المجتمعات الفقيرة، وهذا ناجم عن عوامل كثيرة، بينها سوء التخطيط، وشحّ الموارد لدى الدول الفقيرة، وانعدام التنمية وغير ذلك.
لكن ما يحدث في قطاع غزة من تجويع متعمّد مختلف تماماً وجذرياً عما هي الحال عليه في بقية أنحاء العالم، لأنه من صنع الإنسان، وعن سابق إصرار وتصميم، وبالتالي فقد تحوّل إلى واحد من أعتى أسلحة الحرب لتحقيق أهداف سياسية في نهاية المطاف، بعيداً عن القوانين والمبادئ الإنسانية والأخلاقية وقواعد النظام الدولي التي تجرّم استخدام التجويع كسلاح بحق الشعوب والمدنيين العزل، والتي قطعاً لا تعترف بها إسرائيل باعتبارها دولة فوق القانون بفضل الحماية الغربية.
ولكن ماذا عن الضمير العالمي؟ وهل بقي هناك شيء من القيم الديمقراطية التي لا تزال تتغنى بها بعض دول الغرب؟ يدرك العالم أن الكارثة الإنسانية التي يعيشها سكان قطاع غزة لا تقتصر على المجاعة المتعمدة جراء الحصار المطبق منذ سنوات طويلة، ومنع دخول المساعدات الإنسانية، وتدمير البنى التحتية والخدمات، وتدمير النظام الصحي والمستشفيات وغيرها، ما يجعل قطاع غزة بيئة طاردة للحياة، وهو ما يعني أن هناك «إبادة جماعية» حقيقية تجري في القطاع وفق مؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. وإلا كيف يمكن تفسير المقتلة اليومية لطالبي المساعدات عند بعض نقاط التوزيع؟ وكيف يمكن تفسير النزوح القسري لأكثر من مليوني إنسان من أماكنهم، بمعدل عشر مرات للشخص الواحد، من دون أن يجد مكاناً آمناً؟ وكيف يمكن أن يجبر أي إنسان على الاختيار بين الموت أو إطعام أطفاله؟
إنه المشهد الذي بات يثقل كاهل الضمير العالمي، وما إذا كان لا يزال يؤمن بصلاحية النظام الدولي القائم وعدالته المغيبة.

التعليقات معطلة.