عبدالله عبدالسلام
مشهد الأمهات اللاتى وقفن أمام إحدى لجان امتحانات الثانوية وقمن بصوت عالٍ بإبلاغ الطلاب إجابات امتحان اللغة العربية، ثم واقعة ملاحقة عدد من أولياء الأمور إحدى المراقبات داخل لجنة امتحانات بمنطقة حلمية الزيتون ومحاولة التعدى عليها، لرفضها السماح بالغش، وغيرهما من عشرات الحوادث المرتبطة بهذه الامتحانات، ليس جديدا ولا مفاجئاً. فى غالبية امتحانات المراحل الدراسية يحدث ذلك. وزارة التعليم تتعهد بالتحقيق، إلا أن الأمر يتكرر دون قدرة أو رغبة فى منعه، بحيث يبدو كأننا نؤدى مسرحية أبطالها يتغيرون كل عام لكن النص واحد تقريباً.
معظمنا إن لم يكن جميعنا، بحسب علماء نفس، نكسر اللوائح والقانون حتى عندما نكون مدركين للعواقب. عندما نعتقد أننا سنستفيد من ذلك، تتضاءل أمامنا العقوبة التى يمكن أن نتعرض لها. نسبة معتبرة منا لا يفكرون أصلاً فى القانون عندما يفعلون شيئا مخالفاً. لدينا مخزون لا ينضب من المبررات، جعلنا نعتدى على اللوائح والقانون دون شعور بوخز الضمير. يبدأ الأمر باختراق أحدهم للصف فى هيئة حكومية والوقوف فى أوله.. لماذا؟. لأن لديه أمرا طارئا، أو أن ما يطلبه لن يستغرق سوى دقائق معدودة. من يغشون من التلاميذ ومن يدفعونهم لذلك من أولياء الأمور، يبررون ذلك بأنهم دفعوا «دم قلبهم» فى الدروس ويريدون تأمين مستقبل أبنائهم.
أحيانا، ينتهك الإنسان القانون دون تفكير. تحركه غريزة التملك وأن أحداً لن يراه، وهو يرتكب جريمته. فى لندن، قبل سنوات، استغل بعض الأشخاص احتجاجات جماهيرية وسرقوا كل ما استطاعوا حمله من المحلات. بعضهم سرق زجاجات مياه. لا يهم القيمة، المهم إرضاء الغريزة. الناس أيضا لا يربطون بين اللوائح والوازع الدينى. القانون فى نظرهم عمل بشرى لا علاقة له بالدين، لذا يبررون لأنفسهم ما يفعلون حتى لو خالف القانون. تدنى مستوى المعيشة يلعب دورا مهماً. إذا كان توفير لقمة العيش معناه تنحية القانون جانباً، فليكن كذلك. هكذا يُقنعون أنفسهم. أحياناً أيضاً، تدفعهم البيروقراطية إلى طرق غير شرعية لتسهيل أمورهم طالما لا يستطيعون ذلك بالقانون. كما أن البعض يشعر بأن القانون لا يُطّبق بعدالة على الجميع، فيفقدون الثقة به ويلتفون حوله.
هناك عوامل أخرى تدفع الشخص دفعاً إلى انتهاك القانون. أهمها غابة التشريعات التى تفرضها الدولة الحديثة على الإنسان. فى كل حركة أو تصرف، هناك لائحة أو قانون عليه اتباعه، وإلا تعرض للعقاب. مسؤول هندى رفيع المستوى قال مؤخرا لمجلة الأيكونوميست: «الدولة تضع معايير مرتفعة يستحيل الالتزام بها ثم تدعى أن الهنود خارجون عن القانون. الدولة نفسها جعلت من المستحيل عليهم اتباع القانون». فى الهند منظومة لا تنتهى من القوانين. ٧٣٠٥ أفعال يتم تصنيفها كجرائم، ٧٥٪ منها عقابها السجن. الولايات الهندية تضيف جرائم أخرى. أحد المسؤولين دعا إلى أن تعمل أجهزة التكييف بين ٢٠ و٢٨ درجة، وإلا أصبح الأمر جريمة. الضرائب عديدة وتُثقل كاهل الأفراد والشركات. لا عجب أن كسر القانون بالهند هو القاعدة. تماما مثلما الأمر عندنا. نظريا، هناك قانون ينظم كل فعل بشرى. عملياً لا أحد يلتزم بهذا القانون.