مهووسو تحريم الفن.. اتركوا الإبداع لأصحابه

3

لينا مظلوم

كاتب صحفي

 

نغمة نشاز عادت لتطل بوجهها القبيح، صحيح أن ملامحها تختلف نوعاً ما عن تلك التى حاولت المساس بقوة مصر الناعمة منتصف الثمانينات، لكن الهدف واحد.. تحريم إحدى أهم قلاع التنوير التى منحت فنون مصر وإبداعها مكانة الصدارة عبر التاريخ الحديث.

الحديث عن تحريم الفن عاد هذه المرة عبر تصريحات مطربين، إذا جاز إدراجهم ضمن هذا التصنيف بحكم امتلاكهم شعبية بين شريحة تقبل على الاستماع إلى أعمالهم التى تتميز بإيقاع شبه متكرر على كلمات تساير أجواء مؤديها ومستمعيها، بالتأكيد هى لا ترقى إلى مستوى الغناء الشعبى الذى حققته أسماء بأعمال غنائية رائعة مثل محمد عبدالمطلب، محمد رشدى، محمد العزبى، وحكيم. تبقى الأغانى الشعبية والمهرجانات حاضرة بجمهورها.

خلال منتصف الثمانينات حاولت بعض الجهات السلفية المساس بقوة مصر الناعمة، ليبدأ التبارى فى إعلان مجموعة فنانات اعتزال الفن وارتداء الحجاب. إلى هنا قد يكون ذلك مسموحاً بحكم مساحة حسن النية وحرية الاختيار.

لكن ارتباط هذه الحرية بتحريم الفن، كما ردد بعضهن، تطلب وقفة ومراجعة جادة، أثناء تلك الفترة كانت مجلة روزاليوسف هى منبر التصدى لهذه المحاولات، وبحكم عملى كنت جزءاً من هذه الحملة حين أعلنت فنانة قديرة يحفل تاريخها بأهم كلاسيكيات المسرح والسينما أن «من يردن الاعتزال هن أحرار، لكن لا حق لهن فى تحريم الفن»، ردت عليها آنذاك فنانة مشهورة، زوجة فنان مشهور، فى تصريح مقابل: «لا يا جدتى، الفن حرام».

لا أنسى مشاعر الألم على ملامح الفنانة الكبيرة حين ذهبت إليها فى كواليس إحدى المسرحيات التى كانت تشارك فى بطولتها لأعلن تضامن ودعم المجلة لموقفها، وهى تتساءل: «هل يعتبرن كل تضحياتنا فى سبيل إثراء الفن المصرى حراماً!»، مثال آخر لفنانة أعلنت خلع الحجاب والعودة إلى التمثيل، لتفاجأ فجراً بإطلاق رصاص تحت منزلها فى محاولة ترهيب، كانت ما زالت تحت آثارها حين توجهت لمعرفة الحقائق فى حوار صحفى معها.

بل إن المحاولات تلك الفترة امتدت إلى قمم نجمات السينما اللاتى رفضن بكل فخر واعتزاز الإغراءات المادية احتراماً لتاريخهن الفنى العريق.

هوس تحريم الفن هذه المرة صدر عن فئة مختلفة تكتسب أهميتها من أن أداءها يمثل جزءاً من اهتمام شريحة كبيرة من الشباب المعجبين بأغانى المهرجانات.

هذه الازدواجية الصارخة فى الوعى والخلفية الثقافية التى دفعت العديد من مؤدى أغانى المهرجانات إلى التبارى فى تصريحات تدور بشكل واضح حول تحريم ما يقومون به حدثت إثر وفاة المطرب الشاب أحمد عامر.

الأمر بالتأكيد يتطلب وقفة كى لا تمتد مساحة مزاعمهم إلى ما هو أبعد، بعد أن كشفت مدى قصور الوعى الثقافى والفنى لـ«أبطال موقعة تحريم الفن!»، بعد وفاة المطرب الشاب.

المؤكد أن من يطالبون بحرق أو إزالة أعمالهم بعد الوفاة لا يملكون أى خلفية دينية أو حتى فنية تدعم افتراءاتهم، فهم حتى لم يبذلوا جهد تقصى أى رأى دينى يؤكد أن التوبة عن ما يزعمون حرمته واجبة قبل الوفاة.

أما كل الضجة الإعلامية التى أثاروها فهى تشير بوضوح إلى جهل اجتماعى يكشف خجل هؤلاء من الموروث الذى سيتركونه لأولادهم أو الأموال التى حققوها طوال عملهم، ويفتح مجالاً أمام التساؤل عن استحلالهم لهذه الأموال.

قد يُفهم أن تعكس الصدمة أمام حرمة الموت آلاماً نفسية شديدة. لكن على الطرف الآخر محاولة خلط الأوراق بين حالة حزن إنسانية وجريمة تحريم الفن والغناء تلزم مراجعة من طالبوا بحذف أعمالهم أو أعمال زميل لهم أو الابتعاد عن الغناء بعدما أعلنوا أنه «رجس من عمل الشيطان!»، بالإضافة إلى الاعتذار للجمهور الذى صدقهم وأعجب بأدائهم الغنائى.

أخيراً لكل المحاولين نيل شرف الانتماء إلى أسمى القيم التى يختزنها الفن؛ اتركوا لمصر تاريخها الممتد منذ الأزل حتى الآن من الإبداع والفنون بعيداً عن السطحية.

التعليقات معطلة.