المعارضة العراقية: فوضى المفاهيم وضياع المشروع الوطني

17

 

 

 

حين يتحول الغضب إلى طقس يومي بلا جدوى

 

 

في الوقت الذي تترنح فيه منظومة الحكم العراقية تحت ضغط الشارع، وفشل الخدمات، وتآكل الشرعية، وانكشاف التبعية، يُفترض أن تكون قوى المعارضة الوطنية هي الأمل المنتظر. لكن الواقع المؤلم يكشف عن مفارقة مؤلمة: الطبقة الحاكمة تفقد مشروعها، والمعارضة لم تملك مشروعًا أصلاً.

من الاحتجاج إلى التشتت: أين المعارضة؟

منذ انطلاق موجات التظاهر الكبرى، خصوصًا في 2019، بدا أن لحظة الوعي الشعبي قد نضجت. الغضب الجماهيري كان أصيلًا، عابرًا للطوائف والمناطق، وذا مطالب واضحة: إسقاط المحاصصة، استعادة الدولة، اجتثاث الفساد. لكن قوى المعارضة – بأسمائها المختلفة – عجزت عن الانتقال من الشارع إلى الفكرة، ومن الاعتراض إلى البناء.

لم تستطع أن تتوحد على رؤية وطنية جامعة، ولم تتمكن من إنتاج خطاب سياسي مقنع للداخل أو مقبول لدى الفاعلين الدوليين. وبقيت حبيسة الرفض، دون خريطة طريق واضحة لما بعد النظام.

مأزق المفهوم: ما معنى “المعارضة الوطنية” أصلًا؟

المعارضة الحقيقية ليست “حالة غضب دائم”، بل مشروع سياسي ناضج، يحمل برنامجًا واقعيًا، قادرًا على طرح نفسه كبديل آمن. لكن ما نراه اليوم في العراق هو تشتت المفاهيم:

معارضة تحمل شعارات ثورية لكنها تفتقر إلى أدوات التغيير.

أخرى تسعى للتقرب من الخارج دون أن تمتلك قاعدة شعبية.

وثالثة تطلب الدعم الدولي لكنها تخشى بناء مؤسسات مدنية حقيقية، خشية من الفرز الديمقراطي.

كل طرف يدّعي تمثيل “الوطن”، لكن لا أحد يقدّم تعريفًا عمليًا للوطنية. والأسوأ أن بعضها يكرر أخطاء السلطة نفسها: شخصنة الخطاب، غياب الشفافية، غموض التمويل، وافتقار التنظيم.

لا مشروع، لا ثقة، لا نفوذ دولي

الفشل في تقديم مشروع موحّد يجعل أي حوار مع المجتمع الدولي حول “مرحلة انتقالية” أو “إعادة هيكلة النظام” بلا جدوى. فالدول لا تراهن على “فراغ”، بل على بديل. والمعارضة العراقية اليوم ، رغم شجاعة كثير من ناشطيها ومثقفيها لم تتحول إلى بديل بعد .

وهذا بالضبط ما يُضعف فرصها في التأثير: لا توجد جبهة موحّدة، لا يوجد ناطق سياسي باسمها، لا توجد رؤية تفصيلية لإعادة بناء الدولة. فكيف يمكن لأي طرف دولي أن يستند إلى قوى مشتتة، لتثبيت استقرار بلد بحجم العراق؟

الإجماع الشعبي لا يُهدى… بل يُبنى

الشارع العراقي، خصوصًا جيل ما بعد 2003 لا يبحث عن “زعيم”، بل عن مشروع . المعارضة التي تطمح بتمثيل هذا الشارع مطالبة بقطع شوط طويل .

إعادة تعريف نفسها أولًا.

بناء تحالفات وطنية فوق الهويات الفرعية.

صياغة برنامج مفصّل للحكم.

التواصل مع الداخل بوضوح، ومع الخارج بحكمة.

دون ذلك، ستبقى “المعارضة” مجرّد ضجيج داخل فراغ سياسي مفتوح، تُستخدم كورقة ضغط حينًا، وتُهمّش عند أول تقاطع مع مصالح الكبار.

 

 العجز عن التنظيم أخطر من فساد السلطة

ربما يملك الحاكم السلاح والمال والدعم الخارجي، لكن المعارضة تملك ما هو أثمن: ثقة الناس إن أحسنت استثمارها. غير أن هذه الثقة لا تدوم في غياب الرؤية، ولا تُبنى على الانفعال، بل على المشروع.

وحتى إشعار آخر، تبقى المعارضة العراقية في مأزق مزدوج: لا هي قادرة على إسقاط النظام، ولا على أن تكون بديله. وهذا ما يجعل العراق عالقًا بين مافيات فقدت شرعيتها، ومعارضات فقدت بوصلة الفعل .

التعليقات معطلة.