محمود عبدالراضى
في زمن السوشيال ميديا، لم يعد الصوت الأعلى هو صوت العقل، بل الصوت الأسرع، الأجرأ، والأكثر إثارة، سقط كثيرون في فخ اللهث خلف التريند، ولو على حساب القيم والأخلاق والخصوصية، أصبح كل شيء مباحًا من أجل “لايك” أو “شير” أو لحظة شهرة زائفة سرعان ما تنقلب إلى فضيحة أو ندم.
في كل صباح، نستيقظ على معارك وهمية تشتعل في جروبات وصفحات، دون سبب حقيقي أو قضية تستحق، سوى الرغبة في الظهور أو إثبات الرأي بالقوة والصوت العالي، جدالات بلا مضمون، وشتائم متبادلة، وتحزبات إلكترونية تفتقر لأبسط قواعد الحوار أو الاحترام.
الأخطر من كل ذلك هو انتشار المعلومات المغلوطة، وتداول الشائعات دون تدقيق، حتى أصبحت الأكاذيب تنتشر أسرع من الحقائق، البعض يشارك منشورًا دون أن يقرأه، أو يعيد نشر صورة مفبركة دون أن يتحقق من مصدرها، مساهمًا في صناعة وعي زائف ومشوه.
القانون يجرم نشر الشائعات، لكن الأخلاق يجب أن تسبق القانون، مسؤولية الكلمة في العالم الرقمي لا تقل عن الواقع، وربما تزيد، لأن تأثيرها أسرع وأوسع.
ومع كل هذا الزحام الإلكتروني، نحن بحاجة إلى وقفة هادئة، إلى وعي جماعي يفرّق بين الحقيقة والوهم، بين المحتوى المفيد والضار، بين التسلية الهادفة والضجيج المجاني.
السوشيال ميديا أداة، لا أكثر، ويمكن أن تكون نعمة أو نقمة، حسب طريقة استخدامها.
لنأخذ منها ما يعيننا على التعلّم، على التواصل الإيجابي، على فهم العالم بشكل أوسع، ولنترك التريندات الزائفة، والحروب الافتراضية، وصناعة البطولات الورقية.
فلنتعامل مع العالم الرقمي بحكمة، نقرأ قبل أن نشارك، نفكر قبل أن نعلّق، ونمرّر قبل أن نحكم، لأن الكلمة قد تُنقذ أو تُدمّر.