ماسرة “الكاش” في غزة.. ثمن إضافي فوق عبء الحرب
24 – أبوظبي
في غزة، لا يشكو الفلسطينيون من ويلات الحرب فقط، بل من كل توابعها، بدءاً من نقص الطعام الحاد، والمياه الملوثة، وصولاً إلى النقد المحدود، وأكلاف التداول به المرتفعة والمفروضة من قبل السماسرة الكبار.
وسلط تقرير لوكالة “أسوشيتيد برس” نشر اليوم الجمعة، الضوء على معاناة الفلسطينيين في غزة من نقص النقد الشديد، الذي يُعدّ شريان الحياة لاقتصاد القطاع المُدمّر.
وتفاقمت الأزمة أكثر، مع تعطل جميع فروع البنوك وأجهزة الصراف الآلي تقريباً، وأصبح السكان يعتمدون على شبكةٍ مُتعدّدة من سماسرة النقد الأقوياء للحصول على المال لتغطية نفقاتهم اليومية، مجبرين على دفع عمولات باهظة على هذه المعاملات تصل إلى حوالي 40%.
وقال أيمن الدحدوح، وهو مدير مدرسة يعيش في مدينة غزة، “الناس بتبكي دم بسبب هذا الشي، (إنه يخنقنا ويجوعنا)”.
وفي وقت يشهد ارتفاعاً في التضخم والبطالة وتناقصاً في المدخرات، أدت ندرة النقد إلى تفاقم الضائقة المالية على العائلات – التي بدأ بعضها ببيع ممتلكاته لشراء السلع الأساسية.
وإضافة لفواتير السمسرة الباهظة، فقد جزء كبير النقد المُتاح بعضاً من بريقه. ويستخدم الفلسطينيون العملة الإسرائيلية، الشيكل، في معظم المعاملات. ومع توقف إسرائيل عن إعادة إمداد القطاع بالأوراق النقدية المطبوعة حديثاً، يزداد إحجام التجار عن قبول الأوراق النقدية المهترئة.
ويقول الخبراء، إن لأزمة السيولة النقدية المؤلمة في غزة أسباباً جذرية عديدة.
وتزعم إسرائيل، أن وقف مد القطاع بالأوراق النقدية سببه “الحد من قدرة حماس على شراء الأسلحة ودفع رواتب مقاتليها”. وفي الوقت نفسه تقريباً، سحبت العديد من العائلات الثرية في غزة أموالها من البنوك ثم فرت من القطاع. ودفعت المخاوف المتزايدة بشأن النظام المالي في غزة الشركات الأجنبية التي تبيع البضائع إلى القطاع إلى المطالبة بمدفوعات نقدية.
ومع تضاؤل المعروض النقدي في غزة وتزايد يأس المدنيين، ارتفعت عمولات سماسرة النقد – حوالي 5% في بداية الحرب – بشكل كبير.
وعلى سبيل المثال، يقوم شخص يحتاج إلى نقود بتحويل الأموال إلكترونياً إلى سمسار ما، وبعد لحظات يُسلم جزءاً صغيراً من هذا المبلغ على شكل أوراق نقدية. ويعلن العديد من السماسرة عن خدماتهم علناً، بينما يتكتم آخرون. ودخل على الخط، بعض البقالين وتجار التجزئة وبدأوا بصرف النقود لعملائهم.
وقال محمد بشير الفرا، الذي يعيش في جنوب غزة بعد نزوحه من خان يونس، “إذا احتجتُ إلى 60 دولاراً، فعليّ تحويل 100 دولار”. وأضاف: “هذه هي الطريقة الوحيدة التي نستطيع من خلالها شراء الضروريات، كالدقيق والسكر. نخسر ما يقرب من نصف أموالنا لمجرد إنفاقها”.
وفي عام 2024، ارتفع التضخم في غزة بنسبة 230%، وفقاً للبنك الدولي. وانخفض قليلاً خلال وقف إطلاق النار الذي بدأ في يناير (كانون الثاني) الماضي، ليعاود الارتفاع بعد انسحاب إسرائيل من الهدنة في مارس (آذار).
النقد يمس كل جانب من جوانب الحياة في غزة
كان حوالي 80% من سكان غزة عاطلين عن العمل في نهاية عام 2024، وفقاً للبنك الدولي، ومن المرجح أن يكون الرقم أعلى الآن. ويحصل أصحاب الوظائف في الغالب على رواتبهم عن طريق الإيداعات المباشرة في حساباتهم المصرفية.
ويقول الدحدوح، “عندما تريد شراء الخضراوات أو الطعام أو الماء أو الدواء – أو إذا كنت ترغب في استخدام المواصلات، أو كنت بحاجة إلى بطانية، أو أي شيء – يجب عليك استخدام النقد”. وتعيش عائلة شهيد عجور على مدخراتها منذ عامين بعد أن دمرت الحرب صيدليتها ومشروعاً تجارياً آخر كانت تملكه.
وتؤكد شهيد عجور، “اضطررنا لبيع كل شيء للحصول على المال”. وتضيف وقد باعت ذهبها لشراء الدقيق والفاصوليا المعلبة، أن أسرتها “المكونة من 8 أفراد ما يعادل 12 دولاراً كل يومين على الدقيق، بينما كان هذا المبلغ قبل الحرب أقل من 4 دولارات”.