بعد 35 عامًا من الصراع المسلح: أردوغان يُقنع الحركة الكردية بتسليم السلاح… فهل انتهت الحرب فعلًا ؟

11

 

في تطور غير مسبوق أعلنت الحركة الكردية المسلحة في تركيا، ممثلة بحزب العمال الكردستاني (PKK)، قرارها بوقف الكفاح المسلح وتسليم سلاحها تدريجيًا، وذلك عقب مفاوضات غير معلنة قادها جهاز الاستخبارات التركي MIT منذ أكثر من عام، بتوجيه مباشر من الرئيس رجب طيب أردوغان.
الحدث الذي وُصف بأنه “الأكثر جرأة” منذ بدء تمرد الحزب في عام 1984، فُهم في الداخل التركي على أنه انتصار سياسي كبير لحكومة أنقرة، بينما قوبل بحذر داخل الأوساط الكردية، التي ترى في ذلك محاولة جديدة لاحتواء قضيتهم لا حلّها جذريًا.

خارطة طريق من النار إلى الطاولة
استمرت العمليات المسلحة لـ PKK لأكثر من ثلاثة عقود، أودت بحياة أكثر من 40 ألف شخص، وفرضت نفسها كواحدة من أطول حركات التمرد في الشرق الأوسط. إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تراجعًا في زخم الحزب، بفعل عدة عوامل:
الضربات التركية المركزة في جبال قنديل.
تآكل الدعم الدولي بعد انهيار تحالفات الحرب ضد داعش.
تزايد الانقسامات داخل صفوفه، بين جناح يؤمن بالحل السياسي وآخر يرى في السلاح أداة وجودية.
في هذا السياق، كثّف أردوغان مناوراته السياسية والأمنية، مستخدمًا العصا أكثر من الجزرة. وبينما واصل الجيش حملاته عبر الحدود في العراق وسوريا، كانت قنوات خلفية تعمل على “صفقة ناعمة” تُنهي العمل المسلح دون تقديم تنازلات دستورية فورية للأكراد.

تصريح كردي: “لم نخسر قضيتنا… بل نُعيد تعريفها”
في اتصال خاص مع الصحيفة، قال القيادي السابق في حزب العمال الكردستاني، د. دلير خيري:
“قرار وقف العمل المسلح لا يعني نهاية النضال، بل بداية لمرحلة جديدة. نحن لا نُسلّم السلاح مقابل وعود فارغة، بل نعيد تموضعنا في المعركة السياسية. البنادق تُسكت حين تُفتح أبواب الكرامة والاعتراف بحقوقنا، لا حين يُكتب علينا الصمت بالقوة.”
وأكد خيري أن تسليم السلاح مرتبط بـ”ضمانات إقليمية وداخلية”، مشددًا على أن الجناح العسكري لن يُحل بل “يُعاد تمركزه”، في إشارة إلى الاحتفاظ بخيارات الردع.

تصريح تركي رسمي: “تركيا أقوى من الإرهاب… والدولة لا تساوم على وحدة أراضيها”
من جهته، قال إبراهيم قالن، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة التركية، في بيان صحفي:
“ما جرى هو انتصار للدولة التركية ومؤسساتها الأمنية. لقد أثبتنا أن الإرهاب لا مستقبل له، وأن من أراد الحوار عليه أن يأتي بلا سلاح. الدولة التركية كانت دائمًا منفتحة على الحلول، لكن دون المساس بوحدتها أو سيادتها.”
وأضاف قالن أن المرحلة القادمة ستشهد “برامج إدماج ومصالحة مجتمعية” في جنوب شرقي تركيا، مؤكدًا أن “الفرصة التاريخية مفتوحة، وعلى الجميع أن يختار بين السلام أو العزلة.”

قراءة في الدلالات السياسية
نجاح أردوغان بإقناع التنظيم الكردي بإنهاء الكفاح المسلح بعد 35 عامًا يحمل أكثر من بعد:
داخليًا: يعزز من قبضة أردوغان في الانتخابات القادمة، ويُظهره كزعيم أمني قادر على صنع السلام بعد الحسم.
إقليميًا: يُرسل رسالة إلى بغداد ودمشق بأن أنقرة قادرة على تطويع خصومها بقوتها الناعمة والصلبة معًا.
دوليًا: يفتح الباب مجددًا أمام علاقات أفضل مع الاتحاد الأوروبي، الذي طالما ربط انضمام تركيا بتحسين سجلها الحقوقي.

هل انتهت المعركة فعلًا؟
رغم تسليم السلاح، إلا أن المعركة الفكرية والسياسية لم تنتهِ بعد. فمطالب الأكراد ما تزال قائمة: الاعتراف بالهوية، التعليم باللغة الأم، والتمثيل السياسي الحقيقي.
وعليه، فإن الخطوة الحالية لا تعني بالضرورة نهاية القضية، بل بداية فصل جديد قد يكون أكثر تعقيدًا، حيث يتحول الكفاح من الجبل إلى البرلمان، ومن الرصاص إلى الخطاب .

التعليقات معطلة.