أحمد الصراف
تزداد أهمية الألقاب، العلمية والاجتماعية، ومسائل الأصل والمنبت، مع درجة تخلّف المجتمع، لذا نرى اهتماماً أكبر في الدول المتخلفة بهذه الأمور، ومنها لقب «دكتور»، فنسبة من «يستخدمونه» في مجتمعاتنا أعلى بكثير من المجتمعات المتقدمة، بالرغم من أن عدد حاملي هذه الشهادة بينهم، في مختلف فروع العلم، خاصة الجادة منها، أعلى منا بكثير، ومع هذا نادراً ما نجدهم يستخدمون اللقب في حياتهم ومراسلاتهم العامة، وغالباً لا نعرف حملهم له إلا مصادفة، أو بعد فترة من التواصل معهم. فأغلبية مستشاري الرؤساء الأمريكيين، مثل كيسنجر وبريجينسكي ورايس، من حملة الدكتوراه، ومع هذا لم يستخدموا اللقب، ولم يخاطبوا به، إلا نادراً. ويعود سبب ذلك إلى الطبيعة المتطورة لمجتمعاتهم الحديثة، بينما نجد في الأقل تطوراً أن تكون قيمة الفرد، بشكل عام، تستمد من انتمائه لجماعته، من قبيلة أو أسرة أو نسب أو لقب موروث، فهي التي تحدّد مكانته وفرصه في الحياة، وليس شخصه أو فرديته. أما في المجتمعات الحديثة، فإن القيمة انتقلت من الوراثة إلى الإنجاز الحقيقي، حيث تصبح الكفاءة والتعليم، والمهارة، والعمل الفردي، هي أساس المكانة الاجتماعية، وهذا هو المقصود بمبدأ «الميريتوقراطي» Meritocracy أو حكم الجدارة. فكلما تطور المجتمع اقتصاديًا وقانونيًا، زاد التركيز على المواطنة المتساوية أمام القانون، وعلى الفرص القائمة على الكفاءة بدلاً من الأصل. مع استمرار مجتمعات غربية، كبريطانيا، بالاهتمام بالألقاب التي يمنحها الملك لأفراد الشعب، وما نراه في أمريكا من اهتمام، إعلامياً، بأسماء الأسر العريقة والثرية، وصاحبة الإرث العائلي، مثل بوش وكنيدي وروزفلت وفاندربلت وبلومبيرغ، وبولتون وغيرهم. كما أصبحت هناك ظاهرة تم خلالها استبدال ألقاب جديدة، مثل «ملياردير»، وعبقري كمبيوتر، أو «مؤثر اجتماعي» لديه ملايين المتابعين، باللقب الرنان «دكتور من هارفارد»، وبالتالي فإن الألقاب والمكانة الموروثة لا تختفي في المجتمعات المتقدمة، لكن يتغيّر شكلها وتأثيرها، وتستمر في لعب دورها، وإن كان أقل حسماً مما هو عليه في المجتمعات التقليدية.
يتساءل فيليب دبليو، الأستاذ المشارك في علوم الحاسوب بجامعة ولاية كاليفورنيا: لماذا لا يستخدم حاملو شهادات الدكتوراه، من خارج الأوساط الأكاديمية عادةً، لقب «دكتور» مع أسمائهم؟ وكيف فوجئ بصديقه، الذي أنهى دراسته، عندما أضاف «دكتور»، على بطاقة التعريف الخاصة به، وقال له إنّ هذا تصرف غير معتاد في الولايات المتحدة. فأحد المخاوف من القيام بذلك هو احتمال خلط البعض بين حاملي شهادات الدكتوراه، في مجال ما، وبين الأطباء البشريين، الذين يحمل جميعهم شهادات دكتوراه، في أمريكا، ويستخدمون لقبهم في جميع الأحوال، إما من باب التباهي وطلب الود، وهم القلة، أو لأنهم أطباء قد يحتاج الآخر لخدماتهم أو مساعدتهم. فإذا كنا في مقهى وتعطّل جهاز كمبيوتر المحل، فلا نتوقع قيام حامل دكتوراه، في الكمبيوتر، مثلاً، بالتدخل وعرض المساعدة. لكننا جميعاً نتوقع من الطبيب التدخل والمساعدة إذا أصيب شخص في المقهى مثلاً بنوبة قلبية، وربما من هنا جاءت ضرورة ذكر الطبيب للقبه أمام اسمه، وعدم التسامح، في غالب الأحوال، مع من يضع لقبه العلمي، قبل أو بعد اسمه، بينما تكون شهادته في تاريخ «تمبكتو» في القرن السابع عشر!
ويقول هانس جونسون إن في ألمانيا، يُعتبر عدم مخاطبة من يحملون اللقب بـ«دكتور» نوعاً من عدم الاحترام. لكن في الدنمارك لا تتم مناداة حتى الطبيب بـ«دكتور فلان». أما في بريطانيا، فمن الشائع، والبعض يصر على ذلك، مناداة أو مخاطبة «الجراحين بالذات»، بلقب «السيد Mr»، وليس بلقب دكتور! كما أن شهادات الأطباء في بريطانيا لا يرد فيها لقب «دكتور». وفي إيطاليا يخاطب بلقب دكتور كل من حصل على الشهادة الجامعية، فما فوقها.
* * *
بدأت في الكويت قبل أكثر من سنتين حملة لكشف المتلاعبين، ومزوِّري الشهادات، وخاصة الدكتوراه، لكن تم الاكتفاء بإحالة البعض إلى التقاعد، وقلة إلى النيابة، وتقرر تالياً ترك الأمر للزمن ليحل المشكلة، إما بالتقاعد أو الوفاة، بعد أن تبيّن مدى اتساع «الشق»، وهو القرار نفسه، وللسبب نفسه الذي توصلت إليه حكومة سابقة بوقف التوسّع في تطبيق قانون «البصمة الوراثية»!