العراق يُهان من على منصة “النواب”: عندما يتحول البرلمان إلى مسرحا للابتذال

40

 

 

 

في مشهد مخزٍ من وقائع جلسة البرلمان الأخيرة، خرج رئيس مجلس النواب العراقي محمود المشهداني عن كل الأعراف السياسية والضوابط الأخلاقية، عندما صرخ غاضبًا بعبارة فاضحة لا تصدر عن شخص عادي في الشارع، فكيف إذا كانت من رئيس أعلى سلطة تشريعية في الدولة؟ قالها بصوت عالٍ وهو يتصدر الجلسة: “لا تخلّوني أشخ على أبو العراق”.

قد تبدو العبارة للوهلة الأولى مجرد نوبة غضب أو انفلات لفظي، لكن الواقع السياسي العراقي لا يرحم هذا النوع من “الزلات”. ما قاله المشهداني ليس خطأً فرديًا عابرًا، بل تعبير صريح عن مدى الاستخفاف ببنية الدولة، وعن صورة البرلمان بوصفه مساحة للفوضى لا منصةً للتشريع.

المشهداني… لا يمثل العراق

محمود المشهداني، الذي جلس يومًا على رأس السلطة التشريعية في البلد، يُفترض أنه يدرك وزن الكلمة ومكانة المنصب. لكن تصريحه المشين يكشف أن كثيرًا ممن اعتلوا مناصب الدولة لا يملكون أي شعور بالمسؤولية تجاه الوطن، ولا يمثلون غير طبقات الفشل والانفلات والتخلف الذي تسلل إلى بنية النظام السياسي بعد 2003.

بين الصمت والتواطؤ: من يجرؤ على العقاب؟

هنا تكمن المعضلة الأخطر. عندما تُعطّل المساءلة، ويُمنح اللص صكّ الغفران، وتُغلق ملفات الخيانة، يصبح الإجرامُ وجهةَ نظر، ويصبحُ التعدي على العراق مجرّد فقرة في جلسة برلمان. لقد صنع الصمتُ الرسمي، والتغاضي المقصود، بيئةً آمنةً للمجرمين والفاسدين… بيئةً جعلت الخائن لا يخاف، والسارق لا يُحاسب، والمتطاول يرفع رأسه لا خجلاً، بل فُجْرًا.

حتى وصلنا إلى اللحظة التي يتجرّأ فيها رئيس مجلس النواب الحالي محمود المشهداني، من على منصّة يُفترض أن تمثل هيبة الدولة، ليهين العراق بكلمات بذيئة لا تليق بشخص في أرذل المهن، فكيف بمن يُفترض أنه يمثل الشعب والدستور؟!

إنه ليس مجرد تطاول لفظي، بل تعبير صارخ عن حالة الإفلات من العقاب التي تغوّلت حتى بات الوطن نفسه مستباحًا أمام أعين الجميع. من لا يُحاسَب على بيعه للأرض، سيُكافأ لاحقًا على شتمه لاسمها. ومن اعتاد على نهب ثروات الشعب دون مساءلة، لن يرفّ له جفن حين يبسق على كرامته.

هل من كرامة للوطن في ظل هذا الانحدار؟

حين تصدر عبارة “أشخ على أبو العراق” من تحت قبة البرلمان، فذلك لا يمس خصمًا سياسيًا، بل يُعد إهانة مباشرة للوطن والشعب والتاريخ. تصريحات كهذه لا يمكن تصنيفها ضمن حرية التعبير، بل تُعد طعنًا في رمزية الدولة، وتدفع العراقيين أكثر نحو القطيعة مع طبقة سياسية فقدت كل شرعية أدبية أو وطنية.

 

 برلمان يهين العراق… والعراق يصمت

ما قاله المشهداني هو تتويج لحالة عامة من الانهيار السياسي والأخلاقي. عراق ما بعد 2003 أُفرغ من رجاله الكبار، وتحوّل إلى ساحة تستعرض فيها الأقزام عضلاتهم على اسم العراق لا على أعدائه.

إن استمرار الصمت حيال هذه التصريحات لا يعني سوى شيء واحد: الذي يُفلت من العقوبة… يعتاد الجريمة، ثم يرفع صوته ليهين الوطن جهارًا.

فهل يستحق العراق هذا؟ وهل نصمت… بعد أن شُتمت كرامة العراق من على منبر البرلمان نفسه؟

التعليقات معطلة.