محمود عبدالراضى

4

الميراث الملعون

كانوا إخوة، يجمعهم بيت واحد، وقلب واحد، وذكرى واحدة، كانوا لا يفرّقهم شيء، حتى جاء “الشيء”.. الميراث.
لم تكن الأموال كثيرة، لكنها كانت كافية لتُشعل ما لم تُشعله السنون، لحظة واحدة، وكانت المحبة على المحك، والرحم على حافة القطيعة، والبيت الذي جمعهم بالأمس صار ساحة حرب.

الميراث في جوهره عدل، لكنه إذا دخلته نفوس مريضة، صار لعنة.. لعنة تفرق بين الدم والدم، وتنزع من القلوب ما كان من ودّ وصفاء.
تُفتح الدفاتر، ويُستدعى الماضي بكل جروحه، ويبدأ الشيطان في التمدد بين جدران البيوت، متكئًا على ثقافة الطمع، ومُدجّجًا برغبة في الاستحواذ.

وتبدأ الحكاية دومًا من مكان ناعم: “هي مجرد ورقة”، ثم تتضخم، وتعلو الأصوات، ويتدخل من لا علاقة له بشيء، خاصة حين تدخل الزوجات على الخط، فتنقلب المسألة من قسمة إرث إلى قطيعة رحم، تُزرع الكلمات في رأس الزوج: “أخوك ظلمك”، “أختك أخذت أكثر منك”، وتُقتلع من قلبه جذور الأخوّة.

الزوجة الحكيمة تبني بيتًا، والأخرى تهدم عائلة، والزوج الضعيف، حين يترك لعقله أن يُقاد بدل أن يقود، يكون سببًا في خراب ما تبقى من صلة، وبين الجدال والخصام، تضيع القيم، وتُصبح القسمة التي كتبها الله، قسمة ظالمة في نظر من لم يرض.

أليس من العقل أن نُدرك أن المال يزول، وأن الرضا يطيل في الأعمار ما لا تطيله الثروات؟ أليس من الحكمة أن نفهم أن الأخوة لا تتكرر، وأن الشقيق لا يُعوّض؟ الميراث يُقسّم بالعدل، لكن النفوس لا تُقسّم إلا بالرضا، ومن لم يرضَ، لن تكفيه كنوز الأرض.

دعوة نوجهها إلى كل بيت على وشك الانقسام، أن تذكروا أنفسكم قبل أن تذكروا التركة، أن تتحدثوا عن الذكريات لا الحسابات، أن تُغلبوا صلة الرحم على قسمة المال، فالمال إن زاد، لا يُغني قلبًا أفسده الطمع، وإن قل، لا يُنقص بيتًا يسكنه الحب.

احفظوا ما تبقى من دفء في العلاقات، قبل أن تُطفئه نار الميراث الملعون.

التعليقات معطلة.