د.أحمد القديدي
” ..حين نتأمل في بؤر التوتر اليوم نكتشف أن كلا منها تنذر بانفجار إقليمي بدءا بأخطرها المتمثل في المواجهة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة رغم بعض الانفراج الذي أعلنه زعيم بيونج يانج منذ أيام بالمشاركة في الألعاب الرياضية في (سيول) مرورا بالقرارات المفاجأة التي اتخذها ترامب كالتراجع عن الاتفاق الموقع بين الغرب وإيران و التخلي عن معاهدة باريس لحماية الأرض من التلوث…”
ـــــــــــــــــــــــــ
أحدث الكتاب الأميركي (نار وغضب) ضجة استثنائية في الولايات المتحدة وفي العالم السبب لا يكمن فقط في تحليل مؤلفه (مايكل وولف) لشخصية الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولا يكمن أيضا في فحوى الكتاب الذي تضمن تهما وجهها المساعد السابق للرئيس (ستيف بانون) حين قال أن ترامب غير قادر على تحمل أعباء منصبه لافتقاده الخبرة واصفا إياه بالجبان وعدم الاستقرار معددا كمية الخلافات الموجودة داخل البيت الأبيض والتي تسبب بها حسب تقديره ترامب منذ توليه سدة الحكم واتهم (بانون) ابن الرئيس دونالد ترامب جونيور بإقامة اتصالات مع أشخاص على علاقة بالكرملين من أجل التلاعب بنتائج الانتخابات واصفا هذه العلاقات بالخيانة. كما وصف ابنة ترامب إيفانكا بالغبية. كل هذه الاتهامات تلزم مؤلف الكتاب الذي بلغت مبيعاته مستويات قياسية وليس لنا أن نقيمها لكن قيمة الكتاب تتجاوز هذه التحليلات الشخصية لـ (وولف) لتوحي في محصلتها بأن العالم مقبل على سنة جديدة بالغة المخاطر فالكتاب يستشرف مصير الإنسانية على ضوء ما سماه خللا في إدارة البيت الأبيض سيقود الولايات المتحدة وهي كما نعلم قاطرة الجيوستراتيجيات الدولية إلى شن حروب وخلق أزمات كان بالإمكان تجنبها وهذا الخوف الاستباقي ليس ناتجا عن غرابة شخصية الرئيس ترامب وقراراته غير المتوقعة فحسب بل عن تشكل تحالف خطير بين قوى المال والأعمال التي يمثلها (ترامب) وقوى العنف الإيديولوجي والعقائدي المتطرف التي يشكلها الإنجيليون الأميركان في كثير من مناطق العالم كما يؤكد الكاتب. وهذا الاستشراف للمستقبل خلال السنة الميلادية التي هلت علينا تعززه حقائق لا ينكرها عاقل بدءا من تقوقع القوة الأعظم في منطق جديد حين أعلن ترامب شعار (أميركا أولا) كأنما أراد أن يتحصن بأول دستور أميركي عزلها عن مشاكل العالم لكونها جغرافيا تشكل (قارة-جزيرة) وتواصلت عقيدة عزل أميركا عن بقية القارات الى أن غير الرئيس (وودرو ويلسن) هذا الخيار الانعزالي في الحرب العالمية الأولى بدخول واشنطن في الحرب الى جانب الحلفاء. ومنذ ذلك التاريخ تحركت القوة الأميركية لتحل محل الأمبراطوريتين الأفلتين: بريطانيا وفرنسا بل وأصبحت تقود الغرب الذي سمي بالعالم الحر صلب حلف الناتو ومشروع مارشال وزعامة الغرب المالية من معقل (وول ستريت)
وإنشاء حكومة الظل في مانهاتن أي المائة شركة أميركية العابرة للقارات المتحكمة فعليا في اقتصاد السوق وتنصيب الأنظمة السياسية وحكوماتها وقياداتها أو تدميرها حسب المثل الأميركي الشهير القائل (بأن ما يصلح لجينرال موتورز يصلح للعالم) مع العلم أن جينرال موتورز أعلنت إفلاسها في يوليو 2009 ! وحدث ذلك بعد عاصفة 2008 المالية التي هزت العالم. وحين نتأمل في بؤر التوتر اليوم نكتشف أن كلا منها تنذر بانفجار إقليمي بدءا بأخطرها المتمثل في المواجهة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة رغم بعض الانفراج الذي أعلنه زعيم بيونج يانج منذ أيام بالمشاركة في الألعاب الرياضية في (سيول) مرورا بالقرارات المفاجأة التي إتخذها ترامب كالتراجع عن الاتفاق الموقع بين الغرب وإيران والتخلي عن معاهدة باريس لحماية الأرض من التلوث ثم تجميد جميع البنود الدستورية الأميركية المتعلقة بالهجرة فقد بلغ الأمر بالرئيس ترامب يوم الخميس الماضي إلى نعت الدول الإفريقية المصدرة للمهاجرين بالدول النجسة حين استقبل رئيسة وزراء النرويج ونددت الأمم المتحدة والدول الإفريقية بهذه التصريحات غير المسؤولة وبالطبع كما يعلم القراء الكرام يتصدر شرقنا الأوسط قائمة العنف والحروب وهذا الشرق ينزف في سوريا والعراق وليبيا واليمن ثم التحقت بمنطقة المطبات الداخلية والاحتجاجات الاجتماعية إيران وتونس والمغرب بمظاهرات ضد غلاء المعيشة وتفاقم البطالة مع اتساع عمليات الإرهاب في مصر والتصدع الذي أصاب دول مجلس التعاون بعد أربعة عقود من الوحدة والتناغم والتنسيق بوأت المجلس منزلة النمط الناجح والناجع. كل هذه المؤشرات السلبية تنذر باندلاع أزمات ستضع هذا العالم في فلك المخاطر.