السوداني لـ«الشرق الأوسط»: رغبة إيرانية جادة باتفاق مع أميركا

5

قال إن حكومته «احتوت انفعالات» الفصائل خلال الحرب… وأكد أن العلاقات مع السعودية «في أفضل حالاتها»
بغداد: غسان شربل
في الشهور الماضية، اجتاز العراق استحقاقين صعبين. لم ينزلق إلى نار الحرب الإسرائيلية – الإيرانية وتبعات الضربات الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية. وكان قاوم قبل شهور إغراء التدخل لإنقاذ نظام بشار الأسد في سوريا.
بعد عبور الاستحقاقين، يتطلع العراق إلى استحقاق ثالث هو الانتخابات المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) التي ستقرر شكل البرلمان واسم رئيس الوزراء. حملنا هذه الأسئلة وغيرها إلى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني:
* هل لديك انطباع أننا أمام توازنات جديدة في المنطقة بعد ما حصل في غزة ولبنان وسوريا وإيران؟
– بالتأكيد. بعد أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) وما تلاها من عدوان على لبنان، والتغييرات التي حصلت في سوريا، ومن ثم العدوان على إيران، تبرز هذه التكهنات حول مستقبل المنطقة في ظل هذه التطورات التي لا تزال مستمرة. لا يزال العدوان مستمراً على غزة وعلى لبنان، وما زال الحديث عن ترتيبات الوضع في غزة، وأيضاً التوغل الإسرائيلي في سوريا. كذلك نحن نتحدث عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، وبالتالي لسنا أمام مسار سياسي ثابت لشكل المنطقة وتوازناتها وعلاقاتها.
هذه التطورات تدفع بهذا الطرح والتساؤل المهم الذي يستوجب رؤية واضحة: ماذا نريد لهذه المنطقة الحساسة على كل المستويات الاقتصادية والأمنية والسياسية، والتي شهدت لأول مرة حرباً كادت تتوسع لتكون حرباً شاملة في كل المنطقة لا تقتصر على اعتداءات بين إيران وإسرائيل؟
العراق جزء من الجغرافيا السياسية لهذه المنطقة. وفي الوقت الذي يضع مصلحة العراق والعراقيين كأولوية في هذه التطورات، هو أيضاً جزء فاعل في المنطقة ولا يقف متفرجاً، بل يسعى بعلاقاته ومصالحه مع دول المنطقة إلى بلورة موقف يساهم في تعزيز الأمن والاستقرار، وخصوصاً أننا ضد الحروب التي اكتوينا بنارها طيلة عقود ماضية.
* ماذا فعلت حين انطلقت الغارات الإسرائيلية على إيران؟
– الكل كان يتوقع أنه سيكون هناك تصعيد وحرب قادمة وضربات متبادلة. كانت قراءة كل دول المنطقة، والعراق جزء من المنطقة. بعد بدء العدوان الإسرائيلي على إيران، والذي شهد خرقاً للأجواء العراقية، فإن هذا الحدث المهم يورط العراق في هذه الحرب وفي الاعتداء على دولة جارة، وهو ضد دستورنا وثوابتنا السياسية في عدم السماح لأي جهة أو دولة أن تستخدم الأجواء أو الأراضي العراقية كمنطلق للاعتداء على الآخرين.
كان أمامنا أن نثبت موقفنا الرافض على المستوى الدبلوماسي الدولي، فقدمنا شكوى لمجلس الأمن الدولي، وقمنا باتصالات لدعم هذا الموقف من الخرق، وأيضاً استنكار العدوان على دولة جارة بداعي أنها حرب وقائية أو خطوة وقائية في حين أنه عدوان واضح على دولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة.
والجزء الأهم كان كيف نحافظ على الأمن الداخلي والموقف السياسي والموقف الوطني تجاه هذه الأزمة. وهذا ما نجحنا فيه ولله الحمد، ببلورة موقف وطني واحد رافض للعدوان ولانتهاك السيادة والأجواء العراقية، ويدعم مواقف الحكومة في الحفاظ على مصالح العراق والعراقيين، والنأي بالعراق عن الانزلاق في هذه الحرب. هذا كان موقفاً مهماً على المستوى الداخلي.
خرق الأجواء العراقية
* هل ساعدتكم الولايات المتحدة في هذا السياق؟
– الولايات المتحدة كانت حريصة على أن يكون العراق بعيداً عن هذا الصراع؛ لذلك كان لدينا تواصل مستمر، خصوصاً في مسألة خرق الأجواء وضرورة أن يكون هناك دور للولايات المتحدة؛ لأنها جزء من التحالف الدولي مع العراق لمواجهة الإرهاب، وطيلة عشر سنوات كان يفترض أن يكون هناك دعم لمنظومة الدفاع الجوي لكي نحافظ على أجوائنا بعيداً عن خرق أي جهة.
* ماذا طلبت إيران من العراق خلال الحرب؟
– لم يكن هناك أي طلب، إنما كان العراق هو المبادر بتوضيح الموقف وخطورته ونقل الرسائل بين مختلف الأطراف لإيقاف هذه الحرب والعودة إلى المفاوضات. كان عندنا تواصل مستمر مع الرئاسة ومع كل القنوات في إيران. كانت عملية مستمرة. كان هناك مسار مفاوضات كانت من المؤمل أن تكون يوم الأحد، فحصل العدوان صباح الجمعة.
رئيس الوزراء العراقي خلال المقابلة مع رئيس تحرير «الشرق الأوسط»
رئيس الوزراء العراقي خلال المقابلة مع رئيس تحرير «الشرق الأوسط»
كان توجه العراق الدفع للعودة إلى المفاوضات وإيقاف الحرب. كانت وجهة النظر الإيرانية أنه كيف نذهب إلى التفاوض والعدوان مستمر. كان حديثنا واتصالاتنا مع دول المنطقة والولايات المتحدة حول هذه الجزئية؛ أن هناك استعداداً للجلوس على طاولة التفاوض بشرط إيقاف العدوان. هذا كان الموقف الإيجابي لإيران في تلك الساعات في بداية العدوان.
احتواء «انفعالات» الفصائل
* هل كانت عملية إدارة العلاقات مع الفصائل العراقية المتحالفة مع إيران صعبة في الداخل؟
– بالتأكيد، كانت تحتاج إلى جهد. تفضلت بإشارة مهمة أنه طيلة العامين الماضيين مرت المنطقة بأحداث ساخنة للمرة الأولى في تاريخها. والعراق مستقر ولله الحمد، بعدما كانت – قبل وقت قريب في عهد الحكومة السابقة – المنطقة مستقرة والعراق ملتهباً في أحداث داخلية واعتداءات.
نحن أمام واقع ومسار ومنهج عمل ساهم في احتواء كل الانفعالات وبرمجتها باتجاه مواقف سياسية متزنة بعيداً عن الانفعالات. لم نسمح لهذه الانفعالات أن تتطور إلى أفعال تؤثر على الدولة وأمنها واستقرارها. هذا كان عبر جهد سياسي وأمني أيضاً للحفاظ على هذا الموقف.
* هل لديك شعور بأنك طبقت شعار «العراق أولاً»؟
– بكل ثقة نعم. لم يكن شعاراً رفعناه في البداية، وإنما كان منهجاً وعقيدة نؤمن بها أن العراق أولاً، وكرامة العراق والعراقيين هي أولويتنا في سياستنا الداخلية والخارجية.
* هل لديكم خشية من جولة جديدة بين إسرائيل وإيران؟
– نعم؛ لأن الكل يعلم أن نتنياهو لم يلتزم بأي هدنة لا في غزة ولا في لبنان. ومن الطبيعي أنه ممكن أن يقدم على المزيد من العدوان على إيران. سياسته ومنهجيته واستراتيجيته إبقاء المنطقة في حالة من الحرب حتى يحافظ على وضعه السياسي.
* هل خشيتم من أن يرتبك النظام في إيران وتطول الحرب، واتخذتم إجراءات للتعايش مع نزاع طويل أو مع اضطراب إيراني؟
– إيران دولة مهمة في المنطقة. ومن يسعى من خلال حرب الـ12 يوماً إلى إسقاط النظام، فبالتأكيد ارتدادات هذا الأمر ستشمل كل المنطقة. ومن الطبيعي أن يكون هناك قلق على استقرار المنطقة واستقرار أي دولة مجاورة. لا يمكن أن ترى حريقاً في دولة مجاورة وتتفرج عليه، ولا تتوقع أن تصل إليك النار. هذه منهجيتنا مع الكل، سواء كان مع إيران أو مع باقي دول الجوار.
ما نؤمن به في هذه المرحلة هو أن ندفع باتجاه الاستقرار والأمن والسلام والتفاهم، فكان مصدر قلقنا أن هذه التداعيات تؤثر على استقرار المنطقة. لكن على المستوى الداخلي كنا على ثقة بقدراتنا بفهم ووعي القوى السياسية والشعب العراقي لأهمية أن نحافظ على الأمن الداخلي وعلى النظام السياسي مستقراً وسط هذه الأحداث والتطورات.
* ماذا استنتج الجيش العراقي من هذه الحرب؟
– هذا الآن محل بحث ودراسة. لا أعتقد فقط من الجيش العراقي، وإنما كل جيوش المنطقة. نحن أمام لون جديد من هذه الحروب تستخدم فيه التكنولوجيا الحديثة، وبالتالي علينا أن نكون بمستوى هذا التطور وهذه التقنيات حتى نتمكن من الحفاظ على أمن واستقرار بلدنا.
* من دمّر الرادارات العراقية بعد انتهاء الحرب الإيرانية – الإسرائيلية؟ وهل هناك تحقيق ونتائج؟
– تحقيق من قبل لجنة فنية مختصة، وأتابع هذا التحقيق باستمرار. هذا اعتداء واضح استُخدمت فيه طائرات مسيّرة. وتعرف أنه ليس من السهولة كشف هذه الطائرات. اليوم هي تقنية تستخدم في الاعتداءات وفي إثارة الوضع الأمني. لكن بالتأكيد لن يمر هذا الأمر مرور الكرام.
استُهدفت قواعد في الناصرية وأصيبت بأضرار طفيفة. لكن حصل ضرر في منظومة الرادار في التاجي، وباقي المواقع تصدت الدفاعات الجوية وأسقطت هذه الطائرات. سنصل إلى النتيجة، وسيحاسب المنفذ أياً من كان.
* هل انطلقت المسيّرات من داخل الأراضي العراقية؟
– لا يزال التحقيق جارياً، حتى أننا استعنَّا بالتحالف الدولي؛ لأن هذه قضايا فنية دقيقة جداً لتحديد منطقة الانطلاق والمسافة التي انطلقت منها. هذه كلها تفاصيل حتى تصل إلى تحديد المتورط في هذا الاعتداء.
فرص الاتفاق الأميركي – الإيراني
* الرئيس ترمب يحب نظرية «الصفقة»، فهل لنا أن نتخيل صفقة أميركية – إيرانية في المرحلة المقبلة؟
– متوقع. الرئيس الأميركي صاحب مبادرة في احتواء الحرب الأخيرة. والعراق أيّد هذا التوجه، وكانت هذه المبادرة سبباً في تحقيق هذه الهدنة وإيقاف هذه الحرب المدمرة. ونأمل أن يستمر هذا الدور، خصوصاً من خلال المفاوضات الثنائية حول الملف النووي، لينتج هذه الصفقة أو الاتفاق الذي يؤسس لاستقرار منطقة حيوية مثل منطقة الشرق الأوسط.
* هل استنتجت من كلامك مع المسؤولين الإيرانيين أن هناك رغبة إيرانية حقيقية في التوصل إلى اتفاق مع أميركا؟
– نعم، انطباعنا من خلال سلسلة الاتصالات واللقاءات أن هناك رغبة جادة من الدولة في إيران للوصول إلى اتفاق يضمن مصالحها، وأيضاً مخاوف المجتمع الدولي؛ لأنه لا يوجد قرار في إيران على المستوى الديني والرسمي بامتلاك السلاح النووي الذي هو هاجس دول العالم. إذن الطريق سهل للوصول إلى تفاهم ينهي هذا الملف الذي كان أساس هذا التوتر والتصعيد في المنطقة.

التعليقات معطلة.